ثنائية الحياة والموت ضرورة حياتية حقيقية لا مفر منها، فإذا وجدت الحياة وجدت معها النهاية تسيران في ذات الطريق. هذه سُنة الله في أرضه منذ أن خلق آدم على هذه الأرض، وكان ظلوماً جهولاً حين رضي بحمل الأمانة وإعمار الحياة، فكيف إذا جاءت فكرة الخلود لدى فراعنة العصر الجديد؟ كيف تخيلوا أنه لن يمنعهم عن الجلوس الأبدي على كرسي الحكم إلا الموت؟ وكيف صار الحكم لديهم حقاً يستبيحون من خلاله أموال البلاد وأرواح البشر وأجسادهم ، يسرقون كرامتها وأرواحها وكأنه حق مشروع لا يناقشهم فيه أحد؟! هذا التمسك المستميت بسدة الحكم جعل من حياة الشعوب في العالم الثالث جحيماً أرضياً بلا منازع. في زمن الخلافة الإسلامية كان الخليفة منتخباً من المسلمين، ولم تتأتى المشكلات إلا بالتخلي عن هذا المنطق، والنتيجة أن الحضارة الإسلامية تراجعت إلى الهاوية. فالمسؤول موظف لدى الدولة، هذه هي الصفة المحددة له، لها مزايا ولكن أيضاً لها تبعات خطيرة كالمسؤولية الجسيمة، التي تجعل منه مسؤولاً أمام الله أولاً وأمام الشعب عن كل رعاياه صغيرهم قبل كبيرهم. فكيف إذاً ينسى المسؤول مهالك هذه الوظيفة الصعبة؟ وكيف هي مستحيلة إلى أبعد تصور إنساني وأنها عبارة عن اختبار في كثير من البلدان لنزاهة المسؤول وأمانته المالية؟ فعندما تترى أرقام ثروات قادة الأنظمة التي هلكت بفعل شعوبها، يأتي سؤال مُلح: متى سيتسنى لرجال ناهزوا السبعين وأكثر إنفاق كل هذه الأموال؟ وكيف لو باغتهم الموت، وهم يجلسون على أموال تحترق من تحتهم عند سؤالهم في القبر؟ طبعاً كلها أسئلة تصعب الإجابة عليها، لأنها ببساطة لم تدر في خاطر هؤلاء لأنهم وصلوا إلى قناعة مفادها أن كل ما لديهم حق بسيط نظير جهود جبارة في خدمة الوطن! لكل شيء عمر افتراضي... حتى الإنسان عمره الافتراضي مقرون بنهايته، فكيف بسنوات طويلة من الحكم التي تركت شعوباً مليونية تشكو الجوع والفاقة والبطالة القاسية؟ معيب هذا الوضع الذي يجعل الإنسان يستهين بشعوب لها إرادتها وتاريخها ولا يحترم التاريخ الذي ينزع القيادة ليسلمها لغيره شاء أم أبى. والحقيقة أن مشكلتهم الوحيدة هي أنهم لم يقرأوا التاريخ، ولكن هل تعلم غيرهم الدرس؟