لم يُدهشني ما جرى في ردهات معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام! من قيام رجال هيئة الأمر بالمعروف بالتهجّم كلاميّاً على عدد من المثقفين والإعلاميات المتواجدات بالمعرض، بل أحمّل وزارة الثقافة والإعلام المسؤولية كاملة في كل ما وقع من فوضى! عندما يُصرّح للصحف وكيل وزارة الثقافة والإعلام بأن 85 في المئة من كتب المعرض لهذا العام ستكون ذات طابع إسلامي، بالتأكيد سيرتسم حول تصريحاته المبالغ فيها الكثير من علامات الاستفهام! عندما يقول وكيل الوزارة بأن أي كتب تمس الدين والعقيدة والجنس والسحر ستمنع من العرض، فهذا كلام خطير كون محور الحياة يدور حول هذا الثالوث المحرّم بما فيه السياسة! حينما يُصرّح وكيل الوزارة بأن الوزارة لن تمنع الاحتساب داخل المعرض، فهذا كلام يرفع الضغط ويجعل الفرد يُردد بحيرة... لماذا؟! ومن يملك الحق في ملاحقة أفكار الآخرين؟! حينما يؤكد وكيل الوزارة أن دور نشر بعينها ستُمنع من المشاركة في معرض الكتاب رغم تبنيها على مدى سنوات نشر نتاج فكري مستنير، فهذا رأي يدفع إلى التساؤل! لقد فعل الزميل "عبده خال" خيراً حين قرر مقاطعة معرض الرياض الدولي للكتاب، نتيجة منع بعض الكتب ودور النشر من العرض والمشاركة. مشبها ما يجري بأنه صورة مصغّرة لمحاكم تفتيش محلية لإعاقة حركة الفكر! كان قد قام أيضاً ناشطون بالدعوة على الفيسبوك إلى مقاطعة المعرض احتجاجاً على سياسة تكميم الأفواه، وعلى سلسلة الإجراءات التعسفية التي اتخذتها وزارة الثقافة والإعلام في الفترة الأخيرة، بإيقافها عدداً من البرامج التليفزيونية، والتي كان من ضمنها برنامج "الحياة كلمة" للشيخ سليمان العودة، وذلك بعد أن تجرأ محاورو هذه البرامج وخرجوا عن الخطوط الحمراء وتطرّق بعضها لكارثة السيول التي وقعت في جدة مؤخرا، وتعرّض بعضها الآخر لقضايا الفساد المالي والإداري، إضافة إلى مناقشة تبعات ثورتي تونس ومصر على بقية الدول العربية. قبل عام في مثل هذا التوقيت تقريباً، عاتبت في مقال لي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة، على تغاضيه عن مصادرة بعض كتب لأدباء سعوديين من معرض الرياض، والتي كان من ضمنها رواياتي! وكان الأحرى بالوزير أن يتمسّك هذا العام بحق كافة دور النشر العربية المعروفة بالتواجد. ومنع المحتسبين من دخول المعرض، والاكتفاء بمنحهم الحق في تقديم شكواهم وإبداء ملاحظاتهم على صفحته بـ"الفيسبوك"، لأن رفع راية حرية التعبير يجب أن يكون الشعار الذي تتبناه الوزارة في معرض دولي يستوجب أن يكون ملتقى لتبادل الآراء، خاصة وأن من يرأس الوزارة شاعر له إرث شعري جميل ينبض بالحياة! هل يُعقل ما يجري في أروقة المعرض؟! لماذا لا تقع مثل هذه المنزلقات المتطرفة في البلدان العربية الأخرى؟! لماذا كل هذا الكم من التعصّب الفكري والتزمت الضيق على أرضنا؟! هل نحن فقط من يعتنق الدين الإسلامي الصحيح ومن حولنا لا يلتزمون بتعاليمه؟! لماذا نصرُّ أن نُوصل رسالة للعالم أجمع أن بلادنا تغصُّ بالدراويش، في الوقت الذي تزخر بعقول نيرة ومثقفين عظماء؟! هل يُعقل في عصر الإنترنت والفضاء المفتوح أن يتم مصادرة كتب المعرفة وإن اختلف البعض مع مضامينها؟! هل يصحُّ التضييق على سلوكيات الإعلاميين ومحاسبة الكتّاب؟! ألا يُدرك هؤلاء المتعصبون أن زمن التعتيم والحجر على حرية التعبير قد ولّى إلى غير رجعة؟! ألا يستوعبون بأن عليهم أن يحترموا معتقدات الآخرين؟! ألا يريد هؤلاء أن يعترفوا بأن عصور محاكم التفتيش قد اندثرت وإن كانت نيتهم خالصة لله كما يروجون؟!