كان موعد القطار التالي إلى لندن بعد عشر دقائق، لذا جلست على مقعد على الرصيف في مجرى هواء وبدأت أقرأ كتابي: "يهود الإسلام" بقلم برنارد لويس، الذي يعد بكونه كتاباً مثيراً. كنت قد قرأت عدداً قليلاً من الصفحات عندما قال لي رجل كان يمر أمامي: "اسمحي لي أن أسأل: من هم يهود الإسلام؟" وهكذا بدأ حوار مدهش استمر على قطار الأنفاق باتجاه لندن لمدة عشرين دقيقة. كان والدا الشخص الذي تعرّفت عليه نمساويين هنجاريين هربا من اضطهاد النازيين ولجآ إلى تشيلي. ناقشنا العديد من القضايا المختلفة، بما فيها العنف باسم الدين ودور المرأة في المجتمع. ويشكّل هذا بالنسبة لي، التعددية الثقافية في أفضل صورها. فثمة أعداد لا تحصى من الناس، يتلاقون بشكل يومي، ويبتسمون ويعملون ويتواصلون مع غرباء بغض النظر عما إذا كانوا يلبسون الحجاب أو الطاقية اليهودية أو الساري أو التنورة. لم تمت التعددية الثقافية، وإنما هي حية ترزق على شكل كيان عضوي يؤثر علينا بشكل يومي. لهذا السبب أجد خطاب رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر الأمن في ميونيخ مثيراً للدهشة. كان توقيته عدوانياً بشكل واضح: يوم مسيرة رابطة الدفاع الإنجليزية اليمينية المتطرفة الأكبر حجماً عبر شوارع لوتن للاحتجاج على ما يسمى "أسلمة" بريطانيا، بدلاً من ذلك احتوى الخطاب على انتقاد للمسلمين الذين يعيشون حياة انفصال وتمييز، ويتصرفون بأساليب تتعارض مع القيم البريطانية ويحملون أفكاراً متطرفة. "روجر بالارد" مدير مركز الدراسات الآسيوية الجنوبية التطبيقية في المملكة المتحدة، في فترة مبكرة في 1994، وصف الآسيويين البريطانيين الشباب من الجيل الثاني بأنهم "بحارة ثقافيون". قارنهم مع ثنائيي اللغة، حيث يستطيع المتكلم التحول من لغة إلى أخرى ببساطة، حسب المضمون والمستمع. وبالأسلوب نفسه تمكن الجيل الجديد من الآسيويين البريطانيين من الانتقال بين الثقافات الآسيوية والإنجليزية، بين الرموز الدينية والثقافية المختلفة بسهولة ويسر. يشعر الآسيويون البريطانيون اليوم بنفس الراحة، وهم يلبسون بنطال الجينز والتنانير كما يشعرون وهم يلبسون "الشلوار كاميز"، اللباس التقليدي في جنوب آسيا، وعند تناولهم البطاطا المقلية بالشوكة، أو البرياني (الرز باللحم) بأصابعهم. من الواضح أن هناك قضايا من التطرف والأصولية يتوجب علينا بحثها. إلا أن رئيس الوزراء البريطاني ارتكب خطأ بأن خلط بين قضيتين مختلفتين تماماً بحيث عاملهما كمشكلة واحدة. فالتمييز الذاتي يشكل مشكلة واضحة نظراً لعدد من العوامل، بما فيها هجرة سكان أحياء قدامى إلى خارج الحي بسبب كونه، قد أصبح مختلطاً عرقياً أو بسبب الفقر أو العنصرية أو نسبة البطالة المرتفعة وغيرها. أما الطروحات المتطرفة وتحويل الشباب المسلم إلى الأصولية، فهي قضية مختلفة تماماً. وهي أحياناً لا تعود لكراهية القيم البريطانية أو انعدام الهوية البريطانية الواضحة، وإنما نتيجة للسياسة البريطانية الخارجية عبر التاريخ. يؤكد المتحدثون الأصوليون من المسلمين ليس على التكامل أو أسلوب الحياة البريطانية، وإنما على الحروب غير القانونية، وموت المدنيين في العالم المسلم. يتمتع المسلمون في بريطانيا بالغنى والنجاح، وهم يدفعون الضرائب وينشطون في المجالات الطبية والقانونية، ويحلمون بلعب "الكريكت" مع فريق إنجلترا ويقلقون حول تعليم أطفالهم ويعيشون حياة سعيدة ومنتجة بشكل عام. يعتمد الفاشيون والمتطرفون على الخوف من الآخر لتشجيع الحقد. لهذا السبب نحن بحاجة للمزيد من التعددية الثقافية لمحاربة الصور النمطية. ------ خولة حسن إعلامية متخصصة في حقوق الإنسان والمرأة ------ ينشر بترتيب مع "خدمة كومون جراوند"