ما إن اندلعت الثورة الشبابية الاحتجاجية في الوطن العربي، والتي أدت إلى سقوط النظامين التونسي والمصري، حتى بدأت التصريحات الرسمية في كل قطر عربي تقريباً التأكيد على أنه يختلف عن تونس وعن مصر، وأن له خصوصيته الفارقة، وهو بالتالي محصن ضد مخاطر الثورة وتبعات التغيير... وكان آخر من أكد على هذه النقطة هو الزعيم الليبي معمر القذافي. والتساؤل الذي نود طرحه هنا هو: هل دول الخليج محصنة ضد المطالب الشبابية في العالم العربي؟ ما يحدث في الوطن العربي اليوم من ثورات تدعو إلى التغيير وتحقيق الإصلاح هو حالة مرت بها معظم دول العالم الحديث، لذلك لا تكاد توجد دولة أو مجتمع محصن تماماً من الثورة أو حركات الاحتجاج والتغيير. وبالنسبة لدول الخليج العربية على الخصوص فإنها لا تختلف كثيراً عن شقيقاتها العربيات، وإن كانت ثمة محاولات للتأكيد على أن الدول النفطية محصنة من التغيير في الأمد القريب على الأقل، وذلك بحكم الرخاء الذي توفره لمواطنيها... لكن هذا الأمر ليس على علاته؛ فليبيا والجزائر وإيران دول نفطية، إلا أنها شهدت وتشهد مظاهرات احتجاجية يتصدرها الشباب هناك. لذا نرى بأن دعوات التغيير ومطالب الإصلاح، لاسيما في المجالات المعيشية على الخصوص، هي أمر متوقع إلى حد كبير، وذلك نتيجة طبيعية لما حصل في تونس ومصر، ويحصل في ليبيا واليمن والجزائر. وها قد انتقل أثر المحاكاة إلى دول عربية أخرى، وثمة مطالب وبيانات بدأت تظهر في دول كنا نعدها بمنأى عن هذا الحراك الجاري، لكن يبدو أن بعض القوى فيها أخذت ترفع صوتها مطالبة بمجالس شورى منتخبة، وباستقلال القضاء، وبفصل رئاسة الوزراء عن القيادة العليا، وبمنح المرأة حق التصويت. ولعل ما يميز مطالب الشباب الخليجي أنهم لا يريدون الثورة على الأنظمة القائمة، بل يطالبون بأشياء يمكن تحقيقها، والبعض منها موجود في دول خليجية أخرى، مثل المشاركة السياسية، والقضاء على البطالة، وتحسين الوضع المعيشي، وتحقيق الحرية والعدالة والمساواة بين أبناء الشعب الواحد. الأكاديميون في الخليج سبق أن شخصوا إشكالية الحكم في بلدانهم بالقول إن النظام الاقتصادي في الخليج ولّد دولة ريعية لا تفرض الضرائب والمكوس على مواطنيها، بل هي بالأحرى دولة الرفاه غير الضريبية، والتي تدفع لأبنائها عبر توظيفهم في ملاكاتها الإدارية والخدمية والأمنية، بدلاً من الانهماك في أنشطة أخرى. وهذا بالطبع في ظل وجود عقد اجتماعي ضمني تتكفل السلطة بمقتضاة بالوظائف والخدمات الاجتماعية لمواطنيها. ويبدو لي الآن أنه على الحكومات الخليجية أن تعي بأن الشباب في بلدانها يشكلون الأغلبية السكانية، حتى أن نسبة الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة أصبحوا يمثلون 70 في المئة من السكان في بعض دول الخليج. هذا الشباب الخليجي لديه مطالب كثيرة تستدعي اهتماماً من جانب القيادات. فكثير من الشباب لم يعد يكتفي بتلقي العلاج والتعليم والخدمات المجانية... وذلك لأنهم شباب مواطنون مخلصون لهم حقوق وعليهم واجبات، ويريدون المشاركة في الدفع ببلدانهم نحو تحقيق مجتمع أفضل وأكثر أمناً واستقراراً.