الإحصاءات الرسمية حول انتشار مرض السكري في الدولة تدعو إلى القلق، ليس لأن المنحنى العام لها يتّجه إلى التصاعد بصورة لافتة للنظر، وإنما أيضاً، وربما هو الأخطر، لأن نسبة كبيرة من المصابين تتركّز في فئة صغار السن، فهذه الإحصاءات تشير إلى انتشار مرض سكري الأطفال من النوع الثاني بنسبة 30% لمن هم دون 12 سنة، وهذا أمر له دلالته المهمّة، لأن هذا يعني أن السبب الرئيسي لانتشار هذا النوع من السكري بين الأطفال، الذي ينتشر بين الكبار بصفة رئيسية، يعود إلى ارتفاع نسبة البدانة والسمنة لدى الأطفال، وغياب ممارستهم الرياضة سواء في المدارس أو بعد الخروج منها. إذا كانت الإحصاءات تشير إلى أن الطلاب في الفئة العمرية من 5 إلى 20 سنة أصبحوا يشكّلون نسبة 23% من مجموع السكان الكلّي في الدولة، فإن هذا يدقّ بدوره ناقوس الخطر على صحّة جيل الشباب في الدولة، عماد الإنتاج وحركة التطوّر، لأن إصابة نسبة كبيرة من هؤلاء بمرض السكري، وما يرتبط به من مضاعفات صحية أخرى، أمر لا يمكن تجاهل تأثيراته المحتملة في العمل والإنتاج، ومن ثم في خطط التنمية ومشروعاتها بوجه عام، ناهيك عن التكلفة المرتفعة التي تتكلفها ميزانية الدولة في الإنفاق على العلاج والوقاية من هذا المرض، التي كان يمكن توجيهها لأهداف إنمائية واجتماعية أخرى. انتشار مرض السكري من النوع الثاني بين الأطفال في هذه الفئة العمرية أمر ينبغي الالتفات إليه، والتعاطي معه بالجديّة المطلوبة، لأنه يمكن السيطرة على الأسباب التي تقف وراءه، خاصة أنها ترتبط في الأغلب ببعض الممارسات والأنماط الغذائية التي يمكن التخلّص منها، وهذا يثير بدوره التساؤل حول طبيعة الجهود التي تقوم بها الإدارات المدرسية في التعاطي مع هذا المرض؟ وكيفيّة تفعيلها بالشكل الذي يسهم في التصدّي له ومحاصرته؟ هناك بالفعل العديد من الخطوات الجادة التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم خلال العامين الماضيين للتعامل مع مرض السكري داخل مدارس الدولة، ترتكز بالأساس على الجوانب الوقائية التي تتعامل مع الأسباب التي تقف وراء انتشار المرض، حيث قامت في هذا الشأن باستحداث إدارة جديدة خاصة تعنى بالصحة والتغذية المدرسية، مهمّتها الرئيسية التأكّد من سلامة الأغذية التي يتناولها الطلاب في المدارس ومأمونيتها، وذلك من خلال مراقبة ما يتاح لهم من أطعمة سواء التي يقومون بشرائها من داخل المدرسة أو خارجها أو حتى التي يحضرونها من بيوتهم، فضلاً عن صياغة بعض البرامج التي تستهدف تثقيف العاملين في الميدان التربوي، خاصة معلمي التربية الرياضية ومعلماتها، حول كيفيّة التعامل مع مرض السكري من الناحيتين الوقائية والعلاجية، وتعديل أسلوب الحياة لدى الطلبة بالتركيز على الغذاء الصحي، وممارسة الأنشطة البدنية المختلفة التي تساعد على الوقاية من مرض السكري. ولكن من المهم أيضاً في هذا الشأن أن تتجاوب مختلف أطراف المجتمع مع هذه الجهود، وبصفة خاصة الأسرة؛ لأن هذه الجهود لا يمكن أن تحقق أهدافها إذا كانت السلوكيات التي يمارسها الأطفال في منازلهم تسير في الاتجاه المعاكس، وعلى هذا فإن من الضروري أن يكون هناك تحرّك موازٍ يستهدف العمل على توعية أولياء الأمور وتثقيفهم بالشكل الذي يؤدّي إلى تجنّب السلوكيات الخطرة وغير الصحية، واكتساب السلوكيات الإيجابية، البدنية والصحية. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.