مساء الأربعاء الماضي ، وعندما كنت أشاهد الحوار الدائر بين رئيس الوزراء المصري آنذاك الفريق أحمد شفيق والأديب علاء الأسواني على شاشة "أون. تي. في"، قلت للمحيطين بي، إنني أعتقد أن رئيس الوزراء سيقدم استقالته غداً. وعندما سئلت لماذا تظن ذلك أجبت أن الرجل معتز بنفسه وبتاريخه كطيار مقاتل وكوزير تكنوقراطي قام بنهضة في المطارات المصرية، وأنه اكتشف من خلال ملاحظات الأديب أن هُناك تناقضاً حقيقياً بين كونه رئيس وزراء معين من جانب الرئيس السابق مبارك وبين أن يكون المسؤول في العهد الجديد عن تنفيذ مطالب الاصلاح الديمقراطي، التي يطالب بها الشعب. صدق توقعي فقد قدّم الرجل استقالته صباح يوم الخميس وقبلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكلَّف الدكتور عصام شرف بتكليف الحكومة الجديدة باعتباره أقرب إلى مطالب الشعب. لقد انطوى المشهد كله على ذروة رفيعة ارتقى إليها الحوار الديمقراطي المصري تمثلت فيما يلي: أولاً أن رئيس الوزراء قد فتح عقله لتفهم منطق الأديب في أن منصب رئيس الوزراء هو منصب سياسي، وبالتالي يجب أن يتسم موقف من يشغله بالاتساق مع واجباته، وليس التناقض معها. ثانياً: أن الاستجابة العاجلة المبنية على هذا التفهم من جانب رئيس الوزراء بالاستقالة في اليوم التالي، قد توجت بتصريح رفيع المستوى قال فيه الفريق شفيق إنه لا يستطيع أن يبقى في منصبه بينما الشعب يطالبه بالرحيل. ثالثاً: أن قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة للاستقالة جاء تصديقاً على التناقض الكامن في موقف رئيس الوزراء وتفهماً لضرورة وضع نهاية له ترضي الحس الشعبي. رابعاً: أن إئتلاف شباب الثورة الذي كان يلح على ضرورة استقالة الفريق شفيق، قد أصدر بياناً فور الاستقالة جمع بين توجيه الشكر والتقدير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لاستجابته وبين الإعلان عن تعليق اعتصام كان ينوي البدء فيه مساء يوم الجمعة. هذا الموقف من جانب الشباب يؤكد أن هُناك حالة نضج في السلوك السياسي. لقد وضع الشباب مطالبهم في صورة برنامج عمل للحكومة الجديدة يشمل عدة أهداف من بينها حل جهاز أمن الدولة وإعادة هيكلة وزارة الداخلية برئاسة وزير مدني. والافراج الكامل عن المعتقلين والمحاكمة العاجلة والعلنية، لكل من أصدر أو نفذ أمراً باستخدام العنف واطلاق النار على المتظاهرين بدءاً من يوم 25 يناير. هذا في المجال الأمني أما في المجال السياسي، فقد جاءت الأهداف لتشمل استكمال ملاحقة الفاسدين، ومد الفترة الانتقالية بقيادة مجلس رئاسي وتأجيل مواعيد الانتخابات، واطلاق الحريات العامة، ووقف العمل بقانون الطوارئ وتعديل قانون الأحزاب بما يضمن حق تأسيس الأحزاب بمجرد الاخطار وبحث المطالب الاقتصادية للشعب. في تقديري أن تبني الحكومة الجديدة لهذه المطالب الشعبية، سيخلق جواً عاماً من الاطمئنان، ويرسي حالة من الاتساق بين الحكومة، وبين الأهداف التي تسعى لتحقيقها. إن ارتقاء الحوار الديمقراطي على النحو الذي بيناه كفيل بارساء ثقافة مجتمعية تدفع عملية البناء، وتعيد حالة الاستقرار في أسرع وقت إلى الساحة المصرية.