هل ستصبح الصين والهند حتماً قوتين عظميين؟ من الطرق الأكثر تضليلاً على الإطلاق، والتي كثيراً ما تستخدم في تحليل مستقبل النظام الدولي تلك الطريقة التي يطلق عليها"المسقط الخطي المستقيم الخط". وهذه الطريقة مألوفة للغاية في التحليلات الاقتصادية التي تتنبأ بمعدلات النمو، والناتج القومي الإجمالي للدول المختلفة. بموجب هذه الطريقة، يتم رسم مخطط بياني، يحدد ماذا سيحدث بعد عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو أربعين عاماً، إذا ما استمرت المعدلات الحالية كما هي. وهكذا قد نقرأ تحليلاً مبنياً على هذه الطريقة، يتوصل إلى خلاصة مفادها أن الصين والهند سوف تتفوقان على الولايات المتحدة في نهاية المطاف، من حيث القوة الاقتصادية الصرفة. ويشار في هذا السياق إلى أن مجموعة "فاينانشيال سيرفيسيز جروب" التابعة لشركة "سيتي" المالية العالمية العملاقة، تقدِّر أن الصين سوف تصبح صاحبة أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2020، وأن الهند سوف تنتزع هذه المكانة منها بحلول عام 2050. وفي ذلك العام سوف تكون الدول صاحبة الاقتصادات الكبرى العشرة في العالم (مرتبة من حيث الحجم) هي: الهند، الصين، الولايات المتحدة، إندونيسيا، البرازيل، نيجيريا، روسيا، المكسيك، اليابان، ومصر. ورغم أن هناك أسباباً اقتصادية مهمة تدعو إلى وضع هذه التوقعات، إلا أن أياً منها لا يأخذ في حسبانه، مع ذلك، تعقيدات العالم الذي نعيش فيه، ولا المشكلات التي تعاني منها المناطق التي توجد بها العديد من تلك الدول. فإذا ما أخذنا الهند على سبيل المثال، فسوف نجد أنه على الرغم من أن معدل نموها في الشهور الأخيرة كان جيداً للغاية (وإن كان لا يقارن بمعدل الصين بالطبع)، وأن إمكانياتها هائلة... إلا أنها تعاني من مشكلات داخلية جمة منها، مثالاً لا حصراً، الحركات الانفصالية في آسام، وجامو وكشمير، ونجالاند، والبنجاب... وغير ذلك من الولايات. والشيء الذي لا يقل عن ذلك في الأهمية، أن الهند محاطة بجيران على وشك الوصول إلى تلك النقطة التي سيصنفوا عندها على أنهم دول فاشلة، مثل باكستان وبنجلاديش ونيبال وسريلانكا. وجميعها دول تعاني من مشكلات سياسية واجتماعية خطيرة، بدرجة يمكن أن تجد الهند نفسها معها متورطة في صراعات واضطرابات لا نهاية لها مع هؤلاء الجيران. وهناك مشكلات أخرى يمكن للهند مواجهتها من جيرانها: فبنجلاديش على سبيل المثال تعتبر من أكثر دول العالم قابلية للتعرض لآثار الاحتباس الحراري. وهذه الظاهرة يمكن أن تجعل المياه تغمر المناطق الساحلية من ذلك البلد وتؤدي لخروج جماعي لملايين السكان عبر الحدود مع الهند، وهو ما سيؤدي لخلق حالة من الفوضى والدمار في المقاطعات والمدن الحدودية، يمكن أن تمتد لمناطق داخلية أخرى. وباكستان، حسب بعض التقديرات، يمكن أن تتمزق إلى أجزاء تتصارع فيما بينها. وهناك احتمال كبير للغاية أن تجد الهند نفسها متورطة بصورة أو بأخرى في تلك الصراعات. وهناك أيضاً أفغانستان التي ستغادرها القوات الأميركية خلال العقد المقبل، حيث تجد الهند نفسها، هي وباقي جيران أفغانستان، مضطرة للتدخل لإصلاح ما انكسر. وليست الهند وحدها هي من يواجه تحديات الجوار. فهناك التحديات التي تواجهها الصين من كوريا الشمالية. فعندما تنفجر تلك الدولة من الداخل، في نهاية المطاف، فإن ذلك سوف تترتب عليه تداعيات بعيدة المدى على الصين، وكوريا الجنوبية معاً. ولدى الصين أيضاً مشكلات تاريخية قديمة مع فيتنام، وتواجه هي والهند احتمالات حدوث مزيد من الاضطرابات في بورما. إذا ما أخذنا كل تلك العوامل في الاعتبار، فقد يصعب علينا تخيل كيف يمكن للهند والصين أن تصبحا قوتين عظميين على الساحة العالمية، على النحو الذي أصبحت عليه الولايات المتحدة منذ عام 1945. فما ساعد الولايات المتحدة على ذلك أن بيئتها المجاورة هادئة نسبياً، وأن أهم علاقة تربطها بدول الجوار هي تلك التي تربطها بكندا الهادئة والمستقرة. الوضع اليوم، قد يختلف قليلاً بالنسبة للولايات المتحدة: فدولة المكسيك المجاورة تعاني من مشكلات وتندلع فيها حرب دامية بين الحكومة وعصابات المخدرات. وهناك مشكلة تسلل المهاجرين غير الشرعيين عبر حدودها مع الولايات المتحدة. وهناك أيضاً المشكلات العالقة بين الولايات المتحدة ودول أميركا الوسطى، وهي مشكلات يمكن أن تتفاقم وتتسارع وتيرتها إذا ما حدثت قلاقل في كوبا عند وفاة زعيمها التاريخي فيدل كاسترو في نهاية المطاف. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة، إذا ما قورنت بدول جنوب شرق آسيا، التي يمكن أن تتحول إلى قوى عظمى، محمية وراء محيطين، كما أن أياً من جيرانها، وعلى الرغم من المشكلات التي سردناها، لا يمثل تهديداً مباشراً لوجودها. هذا الوضع يمكن أن يتغير بمرور الوقت. بيد أنه إذا ما أخذنا في الاعتبار جميع العوامل التي يمكن على أساسها وصف دولة معينة بأنها عظمى، مثل الوفرة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والبيئة الإقليمية المواتية... فسنتوصل إلى نتيجة مؤداها أنه من غير المرجح أن تحل دولة أخرى محل الولايات المتحدة كأعظم قوة على وجه الأرض. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحول دون ذلك، هو أن تعجز الولايات المتحدة عن ترتيب بيتها المالي من الداخل. فإذا ما حدث ذلك فثمة احتمال لأن تفقد وضعها كقوة عظمى بشكل سريع. ومع ذلك لن تكون هناك دولة أخرى، قادرة، أو لديها الرغبة على الحلول محلها، لسنوات طويلة قادمة. جيفري كمب مدير البرامج الاستراتيجية بمركز نيكسون ـ واشنطن