ما نشرته صحيفة "الإمارات اليوم"، مؤخراً، حول قيام أحد المقيمين في الدولة ببيع تأشيرات إقامة بسعر 19 ألف درهم، يسلّط الضوء على ظاهرة سلبية تنطوي على أبعاد اقتصادية وأمنية، وهي التجارة في التأشيرات، التي تشير التقديرات إلى أنها ما زالت قائمة برغم الإجراءات العديدة التي تتخذها الجهات المعنية للتصدّي لها. هذه التجارة تقوم بالأساس على استغلال قانون الإقامة، وتعدّد بوابات التأشيرات، من خلال إشراك الزبائن في منشآت غير فاعلة عمليّاً، تشكّل غطاءً شرعيّاً لإقاماتهم في الدولة برغم أنهم يكونون في الأغلب بلا عمل حقيقي، فكما تشير الواقعة التي تحدّثت عنها الصحيفة، فإن المقيم يعرض على زبائنه إصدار إقامات لمدة ثلاث سنوات على كفالة منشآت في مناطق حرة في أبوظبي ودبي والشارقة وإمارات أخرى، ويلجأ في ذلك إلى تأسيس منشآت وهميّة (شركات مساهمة) لكل خمسة زبائن، لاستقدامهم بصفتهم شركاء في المنشأة، من دون أن تمارس المنشأة أي نوع من النشاط. وفي السياق ذاته، فإن هناك نوعية أخرى من المنشآت الصغيرة (مخابز، وورش حدادة، وبقالات...) تستقدّم العشرات من العمال، في حين أن القائمين على العمل بها لا يتجاوز عددهم فرداً واحداً أو اثنين على الأكثر، ويقوم أصحاب هذه المنشآت بإصدار تأشيرات، وبيعها بأثمان مرتفعة لبعض الزبائن دون التقيّد بتوفير عمل لهم، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذه النوعية من التأشيرات لا تجلب للدولة سوى أفواج جديدة من العاطلين والباحثين عن العمل. وإذا كانت الإقامة التي توفرها هذه التأشيرات تستوفي الشكل القانوني، وتتيح لزبائنها التحرّك بحريّة في الدولة، فإن هناك أنواعاً أخرى من التأشيرات يتم استغلالها بشكل سيئ من جانب بعض المنشآت الأخرى والأفراد، كتأشيرات السياحة والزيارة، لدرجة أنها تحوّلت بالفعل إلى تجارة رابحة، حيث تقوم بعض هذه الشركات باستخراج آلاف التأشيرات ثم تقوم ببيعها لأفراد من جنسيات مختلفة يستغلونها في دخول الدولة، وفي الغالب فإن هؤلاء لا يغادرون الدولة بعد انتهاء مدّة هذه التأشيرات سواء كانت بغرض الزيارة أو السياحة، ويتحوّلون إلى عمالة مخالفة، وقد يتم استغلالهم من جانب بعض الشركات والمنشآت الخاصة التي توفر فرص عمل لهم مقابل أجور زهيدة، لأنها تعلم أن هؤلاء لن يطالبوا بحقوقهم أو مخاصمتها لدى وزارة العمل إذا ما أخلّت بتنفيذ التزاماتها تجاههم، وتكون نتيجة ذلك هي ضياع حقوقهم، لأن الجهات الرسمية لا تعلم عنهم شيئاً، ولا عن طبيعة العلاقة التي تربطهم بهذه النوعية من الشركات والمنشآت. لاشك في أن ظاهرة التجارة في التأشيرات تشوّه بيئة العمل، لأنها قد تفرز سوقاً موازية لسوق العمل الحقيقية، لا تلتزم القواعد والقوانين المعمول بها في الدولة، والأخطر أنها تكون في بعض الأحيان سبباً أو ستاراً لممارسة بعض الأعمال غير الشرعية، لأنها في الأغلب تؤدّي إما إلى عمالة مخالفة قد تتورّط في بعض الجرائم، كالسرقة أو الاتجار في المواد المخدّرة إذا فشلت في الحصول على فرصة عمل، وإما أنها تؤدّي إلى دخول بعض الأشخاص إلى الدولة لممارسة بعض السلوكيات السلبية التي تسيء إلى وجهها الحضاري كظاهرة التسوّل، خاصة في شهر رمضان من كل عام. ولهذا كلّه فإن ثمّة ضرورة لتوحيد الإجراءات المتعلّقة بنظام التأشيرات والعمل على معالجة الثغرات التي ينفذ منها بعضهم في التحايل على هذا النظام. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية