قليلة هي المنتجات الغذائية التي تتسبب في آثار صحية سلبية فادحة ومتعددة الأشكال، كما هو الحال مع المشروبات الغازية، حيث أصبحت أصابع الاتهام تتجه للمشروبات الغازية خلف الإصابة بقائمة طويلة من الأمراض؛ مثل: زيادة الوزن، والسمنة المفرطة، والمنظومة الأيضية، وفرط النشاط لدى الأطفال، وتسوس الأسنان، واضطرابات النوم، وهشاشة العظام، وغيرها. وهذه الحقيقة عادت لتؤكدها بداية الأسبوع الحالي نتائج دراسة أجراها فريق من العلماء البريطانيين والأميركيين أثبتت أن تناول المشروبات المحتوية على كميات كبيرة من السكر يؤدي إلى رفع مستوى ضغط الدم. فمن خلال هذه الدراسة المثيرة، التي نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة في مرض ارتفاع ضغط الدم (Hypertension journal)، ظهر أن في كل مرة يتناول فيها المرء علبة أو زجاجة من المشروبات الغازية، أو عصائر الفواكه المحلاة بكميات كبيرة من السكر، يرتفع مستوى ضغط الدم تدريجيّاً. فمع تناول كل علبة من المشروبات الغازية، كان مستوى ضغط الدم الانقباضي يرتفع بمقدار 1.6 مليميتر زئبقي، وضغط الدم الانبساطي بمقدار 0.8 مليميتر زئبقي. ومن المعروف أن ارتفاع ضغط الدم يعتبر من عوامل الخطر الرئيسية خلف الإصابة بأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، إلى درجة أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع في ضغط الدم أعلى من 135 مليميتراً انقباضيّاً على 85 مليميتراً انبساطيّاً، تزداد لديهم احتمالات الإصابة بنزيف شرايين المخ، والسكتة الدماغية، بمقدار الضعف، مقارنة بالأشخاص الذين يتمتعون بضغط دم يعادل 115 مليميتراً انقباضيّاً على 75 مليميتراً انبساطيّاً. وعلى رغم أن "الميكانيزيم" الذي تتسبب من خلاله المشروبات المحتوية على كميات كبيرة من السكر في رفع ضغط الدم لا زال غير واضح أو معروف، إلا أن العلماء يعتقدون أن ارتفاع مستوى السكر في الدم يؤثر على جدران الأوعية الدموية، ويسبب خللًا في توازن الأملاح داخل الجسم. وتتكون محتويات المشروبات الغازية في الغالب من مياه مكربنة -مذاب فيها غاز ثاني أوكسيد الكربون تحت الضغط- ومواد كيميائية مكسبة للطعم، ومواد كيميائية حافظة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من السكر العادي، أو من سكر "الفركتوز" الأرخص ثمناً، وكثيراً ما تحتوي أيضاً هذه المشروبات على كميات لا بأس بها من مادة الكافيين المنبهة. وبالنظر إلى هذه المواد والمركبات، لا تحتوي المشروبات الغازية على أية قيمة غذائية، اللهم إلا محتواها من السكر، الذي يعتبر في الحقيقة ضرراً أكثر منه قيمة. وبناء على توصيات الجهات الصحية بضرورة قصر كمية السكر المستهلك في جميع أنواع الأطعمة والمشروبات خلال اليوم الواحد على عشر ملاعق شاي بحد أقصى، نجد أن الكثير من المشروبات الغازية تحتوي العلبة الواحدة منها على كمية أكبر من هذا الحد الأقصى المسموح به من السكر، للشخص البالغ السليم صحيّاً. ومما يزيد الطين بلة أن السكر المستخدم في غالبية المشروبات الغازية هو سكر "الفركتوز" المستخلص من الذرة (High-Fructose Corn Syrup)، وهو المتهم بالتسبب في طائفة من الآثار الصحية السلبية، مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وفرط النشاط، وغيرها. وهذا الجانب الخفي من تأثيرات المشروبات الغازية، وبالتحديد تأثير سكر "الفركتوز"، أثبتت الدراسات الحديثة علاقته بالانتشار المتزايد لمرض النقرس، أحد أمراض التهابات المفاصل. وهذا المرض، الذي كان يعرف سابقاً بداء الملوك زادت معدلات الإصابة به في الولايات المتحدة بمقدار الضعف خلال العقود القليلة الماضية، وهو ما ينطبق إلى حد كبير على بريطانيا أيضاً، التي شهدت تزايداً مستمرّاً في حالات الإصابة بالنقرس خلال الثلاثين عاماً الماضية، إلى درجة أن 1.5 من سكان بريطانيا مصابون حاليّاً بالنقرس. وهذه الزيادة وعلاقتها بسكر "الفركتوز"، وبالتحديد المستهلك منه في المشروبات الغازية، أظهرتها دراسة أجراها فريق من العلماء الأميركيين والكنديين على 45 ألف رجل، فوق سن الأربعين، ولمدة اثني عشر عاماً، ظهر من خلالها أن الرجال الذين يتناولون مشروبين غازيين في اليوم، أو أكثر، ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بداء النقرس بنسبة 85 في المئة، مقارنة بمن يستهلكون مشروباً واحداً فقط، أو أقل، في الشهر. وتلعب السكريات الموجودة في المشروبات الغازية دوراً كبيراً في معدلات الإصابة بزيادة الوزن والسمنة، وهو ما يتضح من حقيقة أنه خلال الفترة التي تضاعف فيها استهلاك الأميركيين من المشروبات الغازية بين عامي 1977 و2001، تضاعفت أيضاً معدلات زيادة الوزن والسمنة بين أفراد الشعب الأميركي. وهذا التأثير الفادح للمشروبات الغازية على زيادة الوزن والسمنة، يتأتى من خلال عاملين؛ الأول هو كمية السعرات الحرارية الموجودة في العلبة الواحدة -حوالي 150 سعرة حرارية أو ما يساوي طبقاً من الفواكه. والثاني هو أن هذه السعرات الحرارية تكون في شكل سائل لا يحقق الإحساس بالشبع، ولذا يظل الشخص جائعاً، وفي حاجة إلى استهلاك المزيد من الطعام -والسعرات الحرارية- لسد جوعه. وعلى سبيل المثال فإن طبق الفواكه، أو حتى طبق الحلويات، المحتويين على نفس الكمية من السعرات الحرارية، يحققان ملئاً للمعدة، ويدرآن شبح الجوع. أما علبة المشروبات الغازية، أو حتى صندوق كامل منها، الذي يحتوي على 3500 سعرة حرارية -كمية تعادل الموجود في عدة أقفاص من الفواكه- يترك شاربه جائعاً، وفي حاجة إلى مزيد من الطعام. وحتى من يلجأون لشرب المشروبات الخالية من السكر "الدايت"، يزداد نهمهم لتناول السعرات الحرارية، لتعويض السكريات التي شعروا بها على أطراف ألسنتهم، ولكن لم يحصلوا عليها فعلاً. وكل هذا، وغيره كثير، يظهر بشكل جلي، أن المشروبات الغازية، ليست في الحقيقة إلا جرعات مركزة من الأمراض والعلل، في لباس أنيق حلو الطعم.