لا يواجه حُكام الولايات المجتمعون في واشنطن في إطار مؤتمرهم السنوي مشكلة عجز ميزانيات ولاياتهم فحسب، وإنما يواجهون عجزاً كبيراً في التعليم أيضاً. فخلال الأربعة عقود الماضية، تضاعفت كلفة إدارة مدارسنا أو أكثر، بينما ظل أداء طلابنا في المستوى نفسه تقريباً. وفي غضون ذلك، تقدمت علينا بلدان أخرى. على أن النسق ذاته ينطبق على التعليم العالي، حيث ارتفع الإنفاق، في حين انخفضت نسبة خريجي الجامعات مقارنة مع بلدان أخرى. والحال أنه من أجل بناء اقتصاد قوي ودينامي في القرن الحادي والعشرين وتوفير تعليم ذي جودة عالية لكل الأميركيين، علينا أن نقلب المنحنى الحالي. ذلك أنه منذ أكثر من 30 عاماً، ارتفع الإنفاق بينما ظل الأداء في منحنى ثابت تقريباً. ولذلك، علينا اليوم أن نرفع الأداء من دون أن نضطر لزيادة الإنفاق. عندما يكون المرء في حاجة إلى رفع الأداء مقابل مال أقل، فعليه أن يغير الطريقة التي ينفق بها ذلك المال. وانطلاقاً من هذه القاعدة، من المرتقب أن يطلق حكام الولايات هذا العام برنامجاً لمساعدة الكليات على تحقيق أكبر قدر فائدة ممكنة من المال الذي تنفقه، حيث سيقوم هذا البرنامج بتطوير مقاييس ستتيح معرفة أي الكليات تخرِّج عدداً أكبر من الطلبة مقابل قدر أقل من المال، وذلك حتى يتسنى لنا معرفة نقاط القوة ومكامن الخلل في نظامنا التعليمي. نعلم أن أكثر عامل حسماً وأهمية في أداء الطلاب هو التعليم الجيد، فالمعلمون الجيدون يستطيعون أن يفعلوا أشياء مذهلة حقاً لطلابهم. لكن مقارنة مع البلدان التي تتفوق علينا من حيث الأداء في التعليم، فإننا لا نفعل ما يكفي لقياس وتطوير ومكافأة التعليم الجيد، لأننا كنا نتوقع من المعلمين أن يكونوا فعالين من دون أن نقدم لهم التقييم والتدريب. ومن أجل تغيير هذا الواقع، علينا تحديد المعلمين الجيدين، واكتشاف ما الذي يجعلهم فعالين وناجحين جيداً، ثم نقل تلك المهارات إلى معلمين آخرين، وذلك حتى يتسنى لمزيد من الطلاب الاستفادة من المعلمين الجيدين ورفع أدائهم. ولهذه الغاية، تعمل مؤسستنا مع نحو 3 آلاف معلم في سبع مناطق تعليمية حضرية من أجل تطوير معايير موثوقة لفعالية المعلمين. وفي هذا الإطار، تقوم فرق البحث بتحليل أشرطة فيديو لأكثر من 13 ألف درس – تركز على أقسام أظهرت نتائج جيدة حققها الطلاب حتى يتسنى فهم كيف نجح المعلمون في القيام بذلك. وفي الوقت نفسه، يشاهد المعلمون مقاطع الفيديو التي يظهرون فيها لرؤية ما الذي يتعين عليهم فعله من أجل تحسين أدائهم. ذلك أن هدفنا هو مقاربة جديدة للتطوير والتقييم يدعمها المعلمون وتساعد كل المعلمين على تحسين أدائهم. وتتضح فائدة قياس الفعالية عندما تقارن المعلمين بأعضاء مهن أخرى - مزارعين، مهندسين، مبرمجي الحواسيب، وحتى الرياضيين - فهؤلاء المهنيون هم أكثر تطوراً من سابقيهم – لأن لديهم مؤشرات واضحة للامتياز، ونجاحهم يعتمد على الأداء، وهم يتوقون للتعلم من الأكثر تفوقاً. لكن التقدم نفسه لم يحدث في قطاع التعليم لأننا لم نقم بتطوير نظام لقياس وتشجيع الامتياز والتفوق؛ وقمنا بدلاً من ذلك بضخ المال في أشياء كنا نأمل أن يكون لها تأثير على أداء الطلاب، ومن ذلك إنفاق الولايات المتحدة 50 مليار دولار سنوياً على الزيادات التلقائية في الرواتب بناء على أقدمية المعلم. والواقع أنه من المعقول افتراض أن المعلمين الذين عملوا لفترة أطول هم أكثر فعالية، ولكن الأدلة تشير إلى أن ذلك ليس صحيحاً. إذ بعد السنوات القليلة الأولى، يبدو أن الأقدمية ليس لها أي تأثير على أداء التلميذ. وإضافة إلى ذلك، هناك خاصية أخرى تميز ميزانيات المدارس وتتمثل في زيادة في الرواتب لأصحاب الدرجات المتقدمة؛ والحال أن مثل هذه الزيادات ليس لها أي تأثير تقريباً على الأداء، كما أنها تكلفنا كل عام 15 مليار دولار، وهو مبلغ يمكن أن يساعد الطلاب أكثر لو أنه أُنفق بطرق مختلفة. ولعل الافتراض الذي يكلفنا الكثير بخصوص ميزانيات المدارس هو الرأي الذي يذهب إلى أن تقليص حجم القسم هو أفضل طريقة لتحسين أداء الطالب؛ اعتقاد يقف وراء الزيادات في ميزانية المدارس منذ أكثر من 50 عاماً. ونتيجة لذلك، باتت المدارس الأميركية اليوم تتوفر على ضعف عدد المعلمين (مقارنة بعدد الطلاب) الذي كان لديها سنة 1960، رغم أن الأداء ظل هو نفسه تقريباً. وعليه، فماذا يتعين على صناع السياسيات فعله؟ إحدى المقاربات تقوم على وضع مزيد من الطلاب أمام المعلمين الأكثر تفوقاً، وذلك عبر تحديد 25 في المئة من أفضل وأجود المعلمين واستئذانهم في قبول أربعة أو خمسة طلاب إضافيين. وحينها، يمكن استعمال جزء من المال الذي سيتم توفيره في منح المعلمين الأكثر تفوقاً زيادة في الراتب (يذكر هنا أنه في استطلاع للرأي أجري في 2008 وموِّل من قبل مؤسسة جيتس، قال 83 في المئة من المعلمين إنهم سيكونون سعداء بتعليم مزيد من الطلاب مقابل زيادة في الرواتب). كما يمكن أن تخصص بقية ما تم توفيره لتحسين أنظمة دعم وتقييم المعلمين، من أجل مساعدة مزيد من المعلمين على تحسين مستواهم ورفع أدائهم. لقد أنفقت أميركا أكثر وحققت أقل مقارنة ببلدان أخرى. ولئن كان ثمة أي خبر سار في هذه الحقيقة، فهو أنه أتيحت لدينا فرصة للوقوف على نقاط النجاح ومكامن الفشل. وهو أمر يعبد الطريق لتغيير كبير يعلم الجميع أننا في أمس الحاجة إليه: تطوير أنظمة للمعلمين الاستثنائيين تحدد التعليم الجيد وتكافئه، وتساعد كل المعلمين على تحسين مستوياتهم. إنه الشيء الذي أغفلناه طويلًا، والحال أنه يمكن أن يغيِّر حال مدارسنا! بيل جيتس رئيس "مؤسسة بيل وميليندا جيتس" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"