متغيران اثنان هما من أكثر ما يلفت انتباه المراقب لحالة الاحتجاجات العربية: المتغير الأول، استفحال حالة الاحتجاجات وانتقالها من دولة إلى أخرى وزيادتها بشكل تصاعدي مثير. الأمر الذي يدفع بمن لا يؤمن بـ"نظرية المؤامرة" إلى التفكير فيما يحدث في المنطقة. المتغير الثاني، أن المشهد الذي حدث في تونس تحول طبق الأصل إلى مصر، حتى في سيناريو الخطب الثلاث للرئيس. أذكر أني سألت صديقاً عن سر تمسك مبارك بالسلطة، وكان قد ألقى خطابين، فقال باللهجة المصرية: "فاضل له خطاب واحد". فعلاً حدث أن تنحى بعد الخطاب الثالث. واليوم يتكرر المشهد من حيث خروج المحتجين في ليبيا واليمن والبحرين والجزائر، وقبل يومين المغرب. وتتكرر معه المطالب وسياسة "عض الأصبع" بعد إراقة الدماء، وكأن السيناريو التونسي والمصري يتكرر. المحتجون يرفضون أي حوار إلا بعد تحقيق شروط معينة هي نفسها التي طالب بها المحتجون في تونس وفي مصر. والنهاية قد تكون مماثلة. البعض يفسر ما يحدث في إطار نظرية الدومينو السياسي، حيث تتساقط الأنظمة مثلما تتساقط أحجار الدومينو على الطاولة، لكني أعتقد أن إيقاع التساقط السريع يوحي بأن ما يحدث ليس أمراً طبيعياً. وهذا مجرد رأي. هناك حاجة إلى أن تحدث تغييرات حقيقية وسريعة لتسد منافذ الاحتجاجات في كثير من الدول العربية، لكن بالمقابل، فإن حركة الاحتجاجات الشعبية تمضي في كثير من الأحوال بلا ضابط، بل تحركت في بعض الدول العربية على عكس مصلحة الشعوب، عندما انزلقت إلى العنف بين أبناء الدولة الواحدة وتدمير ممتلكات عامة ستدفع ثمن إعادة بنائها هذه الشعوب. البعض يجد في هذه الاحتجاجات نوعاً من الوعي السياسي للشارع العربي، الذي طالما انتقدنا سلبيته وعدم حيويته. وعندما تحرك وأصبح أكثر حيوية في المطالبة بحقوقه الأساسية، من حريات، ومشاركة السياسية، وإحساس بالكرامة، وأبهر المراقبين بقدرته على التحفيز، وتعبئة الجماهير بوسائل حديثة، وكذلك قدرته على تنظيم التحركات والتعامل، والتصميم على تحقيق مطالبه حتى لو دفع حياته ثمناً لذلك... نجد في مقابل ذلك قلاقل أمنية، وحيرة لدى المواطن العربي على المدى المنظور. من الصعب الحديث عن تغيرات تحدث في أيام أو أشهر كما يحدث في الدول المتقدمة، والسبب الإرث السياسي والاجتماعي والأمني للدول العربية؛ ما يعني أننا نحتاج إلى فترة لإعادة الاستقرار وتأهيل الدول لتكون كما نطالب بها من خلال الاحتجاجات، وإلا فستظهر المصالح الفئوية على حساب المصالح الوطنية، وهذا ما يحدث الآن في الدول التي أحدثت تغييرات. ما أريد قوله إن المشهد العربي بات مزعجاً ليس على مستوى الأنظمة فقط بل على مستوى الشعوب أيضاً لأنها تعمل على شل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية. خروج المواطن العربي إلى الشارع تعبيراً عن مطالبه، وجديته في التمسك بها، وتجاوزه الحاجز الأمني، مع الكشف عن قدرات شبابية في إحداث فوضى وجرأة أمر كافٍ لأن يجعل من لا يريد التغيير يتغير. الكل فهم الرسالة، سواء من نطق بها أو لم ينطق. باتت الاحتجاجات مرضاً معدياً لابد من علاجه، بعد أن كانت ظاهرة إيجابية حسب البعض ممن حسنت نواياهم. تحولت إلى حالة فوضى من المحيط إلى الخليج. تسير نحو فقدان الكثير من المكاسب المجتمعية. المشاهد التي نراها في "ميدان التحرير" وأحياناً "ميدان التغيير" لا تنبئ بالخير، بل تطرح احتمالات المستقبل بطريقة غير واضحة، وهنا مكمن الخطورة.