لعقود طويلة حرس الجنود المسلحون مبنى التلفزيون والإذاعة المصري وسط القاهرة لحماية على ما يبدو قنوات البث الرئيسية في البلد من أي محاولة للاختطاف والاستغلال خلال أوقات الطوارئ، لكن تنحي مبارك من السلطة بعد ثلاثة عقود قضاها، أظهر أن خطر مواقع التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات في الإطاحة بالنظام وتقويض أركانه هو أكبر بكثير من الوسائل التقليدية. واليوم مع انتشار الاحتجاجات الشعبية من تونس ومصر إلى البحرين واليمن وليبيا بدأت تبرز عبارة "ثورة تويتر"، و"الفيسبوك" لتُناقش على نطاق واسع من واشنطن إلى القاهرة، وقضت الصدفة أن أمضي شهوراً قبل بدء الاحتجاجات في دراسة دور إعلام التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وهو الموضوع الذي بدا مثيراً بالنسبة لزملائي في تطوير الإعلام الدولي قبل أن يطرح الموضوع نفسه بقوة مع انتشار خبر الانتفاضات في جميع أنحاء العالم، لكن وفي خضم ما يجري حالياً من تصنيفات تُلصق بالثورات في الشرق الأوسط من الضروري طرح السؤال حول مدى تأثير الإعلام الاجتماعي في الاحتجاجات، وهل كل ما يحتاجه الفرد للإطاحة بنظام سلطوي متجذر هو سلسلة من الصفحات على "الفيسبوك" و"يوتيوب" وجمل وعبارات تُبعث على تويتر؟ الحقيقة أن ذلك هو ما يبدو للوهلة الأولى إذا استمعنا للمسؤول في "جوجل"، وائل غنيم، الذي كان أحد أبطال ميدان التحرير في القاهرة، فحسب قوله "بدأت الثورة في يونيو 2010 عندما شرع مئات الآلاف من المصريين في تبادل مواد على الإنترنت، فقد كنا نحمل أشرطة على "الفيسبوك" سرعان ما يتلقفها 60 ألف شخص بعد ساعات قليلة ليضعوها على صفحاتهم الخاصة، وقد كنت دائماً أقول إذا أردت أن تحرر مجتمعاً وفر له الإنترنت". وقد كان غنيم مشرفاً على إحدى الصفحات في "الفيسبوك" أطلق عليها اسم "كلنا خالد سعيد" تيمناً بالشاب، الذي قتلته الشرطة بعدما وضع شريطاً على الإنترنت يصور تقاسم أفراد من الشرطة ما حصلوا عليه من بضاعة مهربة، وبعد انطلاق الاحتجاجات في مصر اعتقل غنيم ليقضي 12 يوماً معصوب العينين في السجن وليصبح عقب إطلاق سراحه أحد رموز الثورة المصرية. وكمسؤول في "جوجل" يدرك غنيم القوة التي تتمتع بها وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث سبق له أن أكد ذلك في شهر ديسمبر الماضي خلال حدث نظمته "جوجل" في القاهرة قال فيه إن أزيد من مائة مليون عربي في منطقة ضمن أكثر من 351 نسمة سيستخدمون الإنترنت بحلول عام 2015. وأضاف غنيم في المؤتمر أن "يوتيوب" يُحمل 24 ساعة من أشرطة الفيديو في كل دقيقة في المنطقة، وهذا الرقم كان حتى قبل بدء المظاهرات في مصر، وإذا كان من الصعب إنكار الدور الذي اضطلعت به وسائل الإعلام الاجتماعية في تمكين المجتمع والشباب من التعبير الحر، حيث قامت المواقع الاجتماعية بجمع ونشر المعلومات، إلا أنه في النهاية لا بد من الإقرار بأن "الفيسبوك" و"يوتيوب" لم يكونا أكثر من وسائل، والوسائل بالطبع لا تستطيع لوحدها إحلال التغييرات الكبرى التي شهدناها في الأسابيع القليلة الماضية. فالأعطاب الاجتماعية الراسخة من قمع وإحباط سياسي واقتصادي بين شرائح المجتمع هي أساس الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي، وهي الدوافع نفسها التي قادت الثورات جميعاً في التاريخ الإنساني، كما أن نجاح الثورات العربية السلمية بدأت تغير نظرة العالم عن المنطقة وبدأت تطلعهم على يقظة شعوبها وإصرارهم على الديمقراطية والحرية بشروطهم الخاصة ودون إملاءات خارجية، ويرجع الفضل في جزء منه إلى المواقع الاجتماعية التي أعطت الفرصة للمجتمع كي يعيد كتابة قصته بعيداً عن الإعلام الرسمي ويعلن قدرته على التغيير السلمي والتحكم في مصيره. لذا لا يتعين ونحن ندرس ما يجري في المنطقة الخلط بين الوسائل والدوافع الحقيقية، فالنظر إلى التحركات الشعبية الكبيرة على أنها "ثورة الفيسبوك" فقط يقلل من شأن التحديات والصعوبات التي كان على المتظاهرين تجاوزها لإنجاح ثورتهم وتبخيس التضحيات التي بذلت في سبيل التحرر. فمع وجود كم هائل من الإحباط نتيجة البطالة والتهميش وانسداد الأفق السياسي، كانت جميع عناصر الثورة متوفرة وقد جاءت وسائل الإعلام الجديدة للإعلان عن مظالم الناس وشكاويهم والتأكيد على وجودها واستعجالها. والمفارقة أن فيسبوك الذي له 21 مليون منخرط في الشرق الأوسط حسب إحصاءات التقرير العربي للإعلام الاجتماعي ليس بالضرورة منبراً يسهل استخدامه وتداوله بين جميع الناس، حيث تقتصر تحديثاته ورسائله على مجموعات بعينها يعرفون بعضهم البعض ويتواصلون فيما بينهم، هذا في الوقت الذي يتيح فيه "تويتر" فرصة أكبر لنقل الرسائل القصيرة والتواصل بين الناس. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أنه رغم الترويج ليوم الغضب الذي شهدته مصر على "الفيسبوك" حتى قبل موعد 25 يناير الجاري، نجح المحتجون في الاستمرار بعدما أقدمت السلطات على قطع الإنترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وغيرها، وفي الوقت نفسه علينا ألا ننسى الدور المهم لوسائل الإعلام التقليدية بحيث ظل الملايين من العرب مسمرين أمام شاشات الفضائيات التي نجحت في نقل المعلومات والأخبار إلى عموم المنطقة. تلك المعلومات التي استقت بعضها تلك الفضائيات من الإعلام الجديد من خلال بث شرائط فيديو التي حملها المتظاهرون على "فيسبوك" و"يوتيوب"، ومن المتوقع أن يستمر توجه الشباب نحو مزيد من الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعية بفعل التركيبة الديموغرافية للمنطقة، حيث 50 في المئة من سكان اليمن وعمان والسعودية والأردن والمغرب ومصر هم أقل من 25 سنة، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة أمام وسائل الإعلام الاجتماعية ليس لتحريك الثورات، بل لمنح فضاء واسع للتعبير ونقل الأفكار والمعلومات قد يفسح المجال أمام تطور المظالم ومشاعر الإحباط السائدة في المنطقة كي تتحول إلى ثورات كاسحة. جيفري جانام صحفي ومستشار إعلامي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"