تتزايد التحليلات الدولية حول اتجاه الأحداث في مصر، وألاحظ أن هناك عملية دفع إسرائيلية سواء من جانب نتنياهو رئيس الحكومة أو من جانب الكتَّاب لتخويف العالم من احتمال توجه مصر في طريق يشبه ثورات أخرى شهدتها المنطقة قبل عقود. فلقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمة ألقاها يوم الأربعاء الماضي على هذا التخويف، وراح يتحدث عن أن الأميركيين لا يعرفون إلى أين تتجه الأمور. في محاولة لتعزيز حالة الخوف التي يهدف إلى خلقها. في المقابل تظهر بعض التحليلات في الصحافة الغربية تشير إلى أن أمام المصريين خياراً آخر غير خيار النظام الديكتاتوري القائم على سلطة رجال الدين، وأن هذا الخيار يتجسد هو الآخر في بلد إسلامي كبير وهو إندونيسيا. إن المشابهة الواضحة بين الحالة المصرية والحالة الإندونيسية وفي طريقة نقل السلطة، فلقد تنازل سوهارتو لنائبه حبيبي، وهو أمر قريب مما فعله الرئيس المصري عندما فوض سلطاته إلى نائبه عمر سليمان في المرحلة الأولى ثم بتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد ذلك بتولي السلطة عندما قرر التخلي عنها. في الحالتين نلاحظ إذن أن من يتولى إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية هي قوة تنتمي للنظام السياسي الحاكم مع تغير شخص الرئيس وليس قوة من خارج النظام. إنني أعتقد أن من مصلحة النظام العربي ككل أن يمسك بنقطة المشابهة المذكورة، وأن يعمل على تنميتها ليجنب المنطقة احتمال السير في طريق ثوري آخر مهما بدا الأمر ضعيفاً. ولكي يعين العرب مصر على التوجه في الطريق الإندونيسي، فعلينا أن نعرف أولاً ما هو هذا الطريق. لقد قام حبيبي في الفترة الانتقالية بتمهيد إندونيسيا للعبور إلى حالة تداول سلطة ديمقراطية، وذلك من خلال إطلاق حرية التعبير ووسائل الإعلام، وهي حرية كانت مكبلة في عهد "سوهارتو"، الذي حكم أكثر من ثلاثين عاماً، ثم من خلال إطلاق حرية تكوين الأحزاب ثم بتحسين مناخ العملية الانتخابية لكي تتسم بالحرية والشفافية والنزاهة. لقد بدأ المجلس العسكري في مصر هذا الطريق عندما أعلن أنه سيمهد البلاد خلال فترة انتقالية مدتها ستة شهور للانتقال الديمقراطي للسلطة، ثم كلف لجنة من الخبراء لتعديل عدد من مواد الدستور تتصل بالشروط اللازمة للترشح لمنصب الرئاسة ومدتها والإشراف على الانتخابات. إننا نتوقع أن تنتهي اللجنة من التعديلات يوم 26فبراير الجاري لتطرح في استفتاء خلال شهرين ثم لتجرى الانتخابات الرئاسية بعد ذلك. والصورة كما ألمسها لا توحي بأن طريق التحول لنظام ديني يمتلك فرصاً ذات قيمة في الحالة المصرية، ومع ذلك فإن القوى المدنية الرافضة للدولة الدينية يجب أن تعمل بجدية لتشكيل أحزابها ومنظماتها لكي تكون حاضرة في الساحة بقوة عند الانتخابات الرئاسية، ثم بعد ذلك عند الانتخابات البرلمانية لتحسم الخيار نحو دولة مدنية. ما زلت أعتقد أن العالم العربي يهمه أن يرى التجربة المصرية، وهي تعبر في اتجاه حالة بعيدة عن الديكتاتورية الدينية، وهو أمر يستوجب في الدرجة الأولى تقديم الدعم الاقتصادي المطلوب لتجاوز المرحلة الانتقالية في أمان واستقرار. الاستقرار الاقتصادي يمثل البنية الأساسية لحالة سياسية تقوم على الاعتدال بطبيعة الحال. وإذا أضفنا إلى هذا أن "الأخوان المسلمين" قد أعلنوا أنهم لا ينوون تقديم مرشح رئاسي يمثلهم، فإنه يمكننا ترجيح أن مصر لن تمضي في الطريق الذي يخيف البعض.