يمكن القول من دون مبالغة إن كتاب "كيف ضاع الغرب: خمسون عاما من الحماقة الاقتصادية والخيارات الصعبة المنتظرة في المستقبل"، لمؤلفته "دامبيسا مويو" هو إضافة للعديد من الكتب التي تكاثرت خلال السنوات الأخيرة والتي يمكن تلخيص موضوعها الجوهري في عبارة واحدة هي أن "الصين سوف تأكل الغرب". وكان من المفترض أن يكون أول من يهتم بصيحات التحذير التي أطلقها مؤلفو تلك الكتب هم رجال الأعمال الغربيين والأميركيين على اعتبار أنهم الفئة الأكثر تعرضا للتهديد بسبب عودة الصين للالتحاق مجددا بالاقتصاد العالمي بعد غياب استمر قرونا. فالشيء الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن الصين كانت أعظم قوة اقتصادية في العالم حتى القرن السابع عشر، ليس بفضل عدد سكانها الكبير ومساحتها الجغرافية المترامية فحسب، وإنما أيضا بفضل براعة شعبها، وقدراته الخلاقة، ومواهبه التجارية المعروفة. ثم جاءت فترة الفتوح الجغرافية والمرحلة الاستعمارية ليسود الغرب العالم، ويقضي على هيمنة الصين لتدخل فترة طويلة عانت خلالها من التهميش والإقصاء وتقلص الدور وانخفاض المكانة، وذلك قبل أن تأتي العولمة التي كانت بمثابة الفأل الحسن على الصين التي انطلقت من عقالها كالمارد الجبار الذي يكتسح كل شيء في طريقه. وتوجه المؤلفة انتقادات مريرة لمواقف الدول الغربية، خصوصا موقف الولايات المتحدة الأميركية، تجاه الدول النامية، وكيف أن الغرب والولايات المتحدة يتحدثون طوال الوقت عن الديمقراطية، والليبرالية، وحرية التجارة، والمنافسة المفتوحة، طالما أنهم يتصدرون المشهد، أما عندما تظهر أي قوة جديدة تشكل تهديدا للتفوق والسيادة الغربيين، فإنها غالبا ما تتعرض للاستهانة، والتعالي، ثم التعويق، والعرقلة. وبعد ذلك الهجوم المباشر الصريح والقول بأن الغرب قد طبق الطريقة ذاتها على الصين من خلال الحديث الدائم عن عدم التزامها بحصص التجارة وأسعار العملات، وتأثير ذلك على مبدأ المنافسة الحرة في السوق العالمية، في حين أن السبب الأساسي لانعدام المنافسة الحرة في السوق العالمية، الذي يجب تقديمه على ما عداه -في رأي الكاتبة- هو عدم قدرة الاقتصاد الأميركي على المنافسة، وعجزه الدائم حتى قبل أن تأتي العولمة ونقل التكنولوجيا لتجعل من هيمنة الصين على الاقتصاد العالمي احتمالا واقعيا قابلا للتبلور. وهناك نقطة مهمة تعزز من هذه الاحتمالية في نظر المؤلفة وهي أن نظام الصين السلطوي، الذي كان الكثير من الخبراء والمفكرين يعتقدون أنه سيقيد الاقتصاد ولن يمكنه من التحليق، قد نجح في دفع الاقتصاد الصيني قدما للأمام من خلال قدرته على ترتيب أولوياته، وانتهاز الفرصة السانحة دون انتظار لأن يتم ذلك من خلال المناقشات البرلمانية التي تستغرق وقتا طويلا عادة بسبب المناورات السياسية، والاعتبارات الحزبية كما نرى عادة في الدول الغربية. وتقول الكاتبة إن الغرب قد ضيع الجزء الأكبر من موارده على الإنفاق الترفي، والرعاية الصحية، وبرامج الرفاه الاجتماعي الباذخة، وفقد الكثير من الفرص التجارية، وإمكانيات المنافسة، وهو ما لم يفعله النظام الصيني الذي كان حريصا على التعلم من تجربة الغرب، وعدم تكرار أخطائه. وتسهب المؤلفة في هذه النقطة حتى ليظن القارئ أنها تحث الغرب، إذا ما أراد أن يتقدم وينافس، أن يحذو حذو النظام الصيني، ولو كلفه الأمر التخلي عن ديمقراطيته التي يتباهى بها. هذا الطرح من جانب المؤلفة، يمكن تقويضه من خلال طرحين مضادين: الأول أنه كان هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي، ازدهار اقتصادي مماثلا في طبيعته للازدهار الصيني، وهو الازدهار الياباني الذي تناولته آلاف الكتب، وقال العديد من الخبراء ساعتها إن اليابان سوف تأكل العالم، لكن ذلك الازدهار لم يكن في حقيقته سوى فقاعة تقوم على طفرة عقارية، ونظام مصرفي متسيب، واستثمارات في مشروعات ذات طبيعة استهلاكية غير منتجة في طبيعتها، انفجرت في النهاية ليدخل الاقتصاد الياباني في حالة من الركود والجمود، وهو الشيء الذي يبدو أنه يتكرر بحذافيره الآن في الصين. فالازدهار الصيني في نظر الكثيرين هو أيضا ازدهار فقاعي يقوم على التلاعب بأسعار العملاء، والتصدير الكثيف ورخيص الثمن... لذلك لن يلبث طويلا حتى ينفجر لتدخل الصين في مرحلة الركود الطويل كما حدث مع اليابان. صحيح أن مثل تلك الفقاعة، عندما تنفجر، لن تؤدي لضياع كل شيء، بل ستُبقِى شركات كبرى كالشركات التي لا تزال تتباهى بها اليابان في صناعة الإلكترونيات والسيارات حتى اليوم، أما الحديث عن الهيمنة العالمية على العالم فذلك أمر مستبعد. والسبب الثاني الذي يقول اقتصاديون كثر إنه لن يمكن الصين من إحكام السيطرة على العالم اقتصاديا هو العامل الديمغرافي وتحديدا سياسة"طفل واحد" فقط لكل عائلة التي تطبقها الصين من أجل ضبط الانفجار السكاني. فهذه السياسة يتوقع أن تؤدي إلى زيادة نسبة كبار السن إلى إجمالي عدد السكان بحيث تصبح مماثلة لنظيرتها في إيطاليا ما سيجعل من الصين مجتمعا شائخا غير قادر على إدامة النمو. سعيد كامل الكتاب: كيف ضاع الغرب: خمسون عاما من الحماقة الاقتصادية... والخيارات الصعبة المنتظرة في المستقبل المؤلفة: دامبيسا مويو الناشر: ألين لين تاريخ النشر: 2011