أكدت وزارة الصحة بدولة الإمارات بداية هذا الأسبوع حدوث زيادة بين السكان في معدلات الإصابة بالأزمة الشعبية أو الربو وأمراض الحساسية بوجه عام، وبنسبة 13.5 في المئة، وهو ما يضع الإمارات مثلها مثل بقية دول الخليج العربي، ضمن فئة الدول المتوسطة في أعداد الإصابة، نتيجة للظروف الخاصة لدول المنطقة والمتمثلة في طبيعة الأجواء الرطبة المحملة بالغبار والأتربة، والتدخين داخل المنازل، والاعتماد على هواء المكيفات وعدم تهوية البيوت بشكل جيد، بالإضافة إلى الإفراط في استخدام العطور والبخور بصورة كبيرة. وأشار أطباء الوزارة ضمن فعاليات ورشة العمل التي نظمتها لجنة التعليم الطبي المستمر للرعاية الصحية الأولية بالمنطقة الطبية في الشارقة إلى أن المصابين بأمراض الحساسية يمثلون شرائح المجتمع كافة ومن أعمار مختلفة، وأن مراكز الرعاية الصحية الأولية تهتم بصورة كبيرة بمرضى الحساسية من خلال وضع خطة عملية مدروسة يسير عليها الأطباء، وإدخال أدوية جديدة لم تكن مدرجة ضمن قوائم الوزارة من قبل لعلاج المرضى. ويتوافق هذا الاتجاه المحلي الإقليمي مع الاتجاه العالمي، المتمثل في وجود حوالي 300 مليون شخص حول العالم مصابين بالأزمة الشعبية، نسبة كبيرة منهم من الأطفال، مما يجعل الأزمة الشعبية أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً بين الأطفال. وإذا كانت معدلات انتشار الأزمة الشعبية تثير القلق فإن تزايد هذه المعدلات بمرور الوقت هو المصدر الحقيقي للمخاوف التي تتملك أفراد المجتمع الطبي بخصوصه. حيث تبلغ مثلاً نسبة الإصابة حاليّاً في سويسرا، أربعة أضعاف نسبة من كانوا مصابين بالمرض قبل ثلاثين عاماً فقط. وفي أوروبا بوجه عام تضاعفت معدلات الإصابة بالأزمة الشعبية خلال عشرة أعوام فقط، حسب إحصائيات معهد الحساسية ببلجيكا. ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات المتحدة حيث زاد عدد الأطفال المصابين بالأزمة الشعبية من 3.6 في المئة في عقد الثمانينيات، إلى 9 في المئة حاليّاً، وفي الوقت نفسه تضاعف عدد الوفيات في الولايات المتحدة، ليصل حاليّاً إلى أكثر من خمسة آلاف وفاة سنويّاً، حسب إحصائيات مركز مكافحة الأمراض بأطلنطا. وفي ظل كون الأزمة الشعبية تثقل كاهل المصابين بها، وتضعهم وعائلاتهم وذويهم تحت عبء مرضي هائل، وتحد من مشاركتهم ونشاطهم الاقتصادي والاجتماعي والرياضي، يمكن أن ندرك بسهولة أن الأزمة الشعبية أصبحت تمثل مشكلة صحة عامة واسعة النطاق ومتعددة الجوانب، ليس فقط في الدول الغنية، بل أيضاً في جميع دول العالم بغض النظر عن درجة التطور الاقتصادي، وإن كانت الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تتحمل العبء الأكبر من الوفيات الناتجة عن الأزمة الشعبية. والأزمة الشعبية هي مرض قديم جدّاً، ذكره الأطباء في العصور اليونانية القديمة ووصفه الصينيون منذ قرون، وعلى رغم ذلك لا زال الطب الحديث غير قادر على تحديد السبب الأساسي وراء هذا السلوك المرَضي من الرئتين، ولذا تظل الأزمة الشعبية في القرن العشرين، مرضاً غير معروف السبب. ولكن إن كان الأطباء لم يدركوا بعد السبب خلف الإصابة، إلا أن قائمة العوامل المسؤولة عن زيادة معدلات الإصابة إلى مثل هذا الحد الوبائي أصبحت شبه مؤكدة. وتحتل رأس هذه القائمة ظروف الحياة الحديثة التي أصبحنا نعيشها حاليّاً، مثل انخفاض الاعتماد على التهوية الطبيعية وزيادة الرطوبة داخل المنازل وانتشار السجاد و"الموكيت"، وهي عوامل يعتقد كثيرون أنها عوامل خطر للإصابة بالأزمة الشعبية خصوصاً بين الأطفال. ومن أغرب النظريات التي تحاول تفسير زيادة معدلات الإصابة بالربو تلك التي تلقي باللائمة على تطور الرعاية الصحية التي شهدها الإنسان خلال العقود القليلة الماضية. وهذه النظرية تدعي أن تطور الطب والعلاج وخصوصاً في مجال تطعيم الأطفال منع إصابتهم بالكثير من الأمراض المعدية التي كانت تصيب أقرانهم من قبل. وهذا الوضع جعل جهاز المناعة شبه مستريح معظم الوقت، وجعله يوجه طاقاته لمهاجمة الجسم بدلاً من الميكروبات والفيروسات كما كان الوضع عبر تاريخ الجنس البشري. ويمكن أن نضيف تلوث الهواء إلى قائمة الأسباب التي تدفع بالأزمة الشعبية نحو الزيادة المطردة بين أفراد الجنس البشري، وخصوصاً تلوث الهواء الناتج من عوادم السيارات وحرق وقود "الديزل" والفحم، التي تنتج جميعها جزيئات معروف عنها تسببها في تدهور حالات المصابين بأمراض القلب والرئتين. وعلى رغم أن الأزمة لا يمكن تحقيق الشفاء التام منها، إلا أنه من خلال العلاج المناسب يمكن التحكم في المرض، بشكل يسمح للمصابين بالحياة بشكل شبه طبيعي، حيث تستخدم الأدوية والعقاقير قصيرة المفعول للتحكم في الأعراض والعلامات، بينما تخصص العقاقير والأدوية طويلة المفعول، ومن خلال جرعات يومية، للأشخاص الذين يعانون من نوبات متكررة، بغرض خفض الالتهاب المستمر، ومنع تفاقم الأعراض وحدوث النوبات، وإن كانت العقاقير ليست هي الأسلوب الوحيد في التعامل مع الأزمة الشعبية، حيث يجب تجنب مسببات النوبات، وهي المسببات الخاصة بكل مريض، ويجب تمييزها بشكل شخصي من قبل المريض وبمساعدة الفريق الطبي المتخصص، ومن ثم تجنب التعرض لها. ولا تتسبب الأزمة الشعبية في عدد من الوفيات بمقدار ما يسببه الانسداد الرئوي المزمن، أو غيره من الأمراض المزمنة، إلى أن عدم تناول العلاج المناسب، وعدم الالتزام بالريجيم العلاجي يمكنه أن يؤدي للوفاة، حيث تتسبب الأزمة في عشرات الآلاف من الوفيات سنويّاً، بما في ذلك بين شعوب الدول الغنية والغربية، التي تتمتع بأفضل النظم الصحية والعلاجية.