زادت الأحداث في مصر من حيرة وقلق المستثمرين العرب وخصوصاً أن هذه الأحداث أعقبت الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى تآكل الأموال العربية المستثمرة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بسبب الانهيارات في المؤسسات المالية وتراجع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الأصول كالعقارات والأسهم. وعلى رغم أن خسائر الاستثمارات العربية الناجمة عن الأزمة المصرية لازالت محدودة، كما يتوقع أن تتم استعادة جزء كبير منها في الأسابيع القليلة القادمة، وذلك بعد استقرار الأوضاع هناك، إلا أن هذه الأزمة زادت من حيرة الاستثمارات، بما فيها الخليجية، وبالأخص تلك الموظفة في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة، حيث تشير العديد من التوقعات إلى إمكانية تعرض بعض البلدان إلى أزمات في الفترة القادمة. ويبدو أنه لم يعد هناك مكان آمن في العالم للاستثمارات العابرة للقارات، فالبلدان الغربية "تشفط" بين فترة وأخرى حصة مهمة من الاستثمارات الأجنبية، تارة بالتلاعب بالمشتقات والمضاربة في أسعار السلع وتارة أخرى بالإعلان عن إفلاسات وانهيارات مدعمة بقوانين وأنظمة لا تتيح للمساهم الأجنبي المطالبة بحقوقه، إلا في نطاق تصفيات الموجودات التي لا تشكل نسبة تذكر من حجم الخسائر. وقد أوجد ذلك مشكلة حقيقية للأموال العربية، التي يتوقع أن تتضاعف في السنوات القليلة القادمة، وذلك، نتيجة لارتفاع عائدات النفط وارتفاع أرباح المؤسسات العامة والخاصة. ومع أن الخريطة الجغرافية للاستثمارات العالمية تبدو قاتمة، إلا أنه لا زالت هناك بعض البلدان التي تتمتع باستقرار وفرص استثمارية واعدة، وتأتي بلدان أميركا اللاتينية وبالأخص البرازيل، وكذلك الهند وروسيا والصين في مقدمة هذه البلدان، حيث تشكل البلدان الأربعة ما يطلق عليه مجموعة "بريكس" الناشئة، التي تحقق أعلى معدلات النمو في العالم. وهناك الكثير من الدلائل المؤيدة لاستمرار انتقال ثقل التجارة العالمية إلى هذه البلدان التي تحتل في الوقت الحاضر أماكن متقدمة على قائمة الشركاء التجاريين للكثير من بلدان العالم، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتوقع أن تحتل الصين خلال العامين القادمين المركز الأول، كأكبر مستورد للنفط السعودي بدلًا من الولايات المتحدة. وإضافة إلى الاهتمام بالاستثمار في مجموعة "بريكس" فإن الأحداث العالمية المتعاقبة يفترض أن تؤدي إلى زيادة الاهتمام بالأسواق الخليجية الداخلية، بما في ذلك زيادة الاستثمارات الصناعية وضخ الأموال اللازمة لانتشال أسواق المال من محنتها باعتبارها مرآة للاقتصادات الخليجية، فالاهتمام الرسمي بأسواق المال لا زال دون المستوى المتوقع، مما يعيق تطور هذه الأسواق وزيادة فعاليتها لدعم النمو الاقتصادي في دول المجلس. أما فيما يتعلق بالسوق المصرية التي كانت سبباً مباشراً للتقلبات التي حدثت في الأسابيع الثلاثة الماضية، فإن التغيرات هناك ستفتح مجالات كبيرة للمستثمرين بعد تدني أسعار الأسهم، علماً بأن هناك توجهات لإعادة النظر في القوانين والتشريعات المنظمة للاستثمار لتصبح أكثر شفافية ووضوحاً. وإذا ما سارت الأمور هناك في هذا الاتجاه دون عراقيل، فإن مصر بتوجهاتها الجديدة يمكن أن تنضم إلى البلدان الناشئة التي تحقق معدلات نمو جيدة. وفي هذا الصدد يمكن لرؤوس الأموال العربية أن تساهم في النقلة التنموية المتوقعة للاقتصاد المصري، باعتباره مكسباً للاقتصادات العربية التي يربطها العديد من الاتفاقيات المشتركة في نطاق جامعة الدول العربية. ومثل هذه التوجهات يمكن أن تساهم في حل معضلة الحيرة التي تحيط بالاستثمارات العربية التي فقدت جزءاً كبيراً من أصولها في السنوات الثلاث الماضية، مما يتطلب إعادة النظر في توجهاتها الاستثمارية لتشكل رافداً قويّاً لدعم التنمية وزيادة معدلات النمو في البلدان العربية.