بعد أن تم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بشق الأنفس في أعقاب انتخابات يناير 2010، يصبح العراق مقبلاً على فترة انتقالية مهمة. ففي أعقاب تلك الانتخابات قامت الولايات المتحدة بتخفيض عدد قواتها إلى 50 ألف جندي فقط، وربما أن ذلك قد أدى إلى عودة موجة التفجيرات الانتحارية والسيارات المخففة الأخيرة التي ذهب ضحيتها مئات العراقيين الأبرياء. ويعد هذا مؤشراً خطيراً على عدم الاستقرار الأمني الذي يواجه العراق، وتراجع للنجاحات الأمنية التي تحققت من خلال "الصحوات" في مناطق السُّنة وانتشار قوات الولايات المتحدة التي تطارد الفئات التي كانت ترعى التفجيرات وتزعزع الأمن. ولو تمكنت الحكومة المشكلة حالياً من الاستمرار في السلطة لوقت كاف، سيصبح العراق في طور الانتقال من دولة في أزمة تتصف بوضع شبيه بالإفلاس السياسي، وعلى شفا حرب أهلية تنذر بتقسيم القطر إلى دويلات، إلى دولة ذات سيادة، مواطنوها قابلون بالعملية السياسية، وقطر مستقل وفاعل على المستوى الإقليمي والدولي. ورغم أن الحكومة التي شكلت لم تتمكن حتى الآن من حل قدر مهم من المشاكل التي تواجهها البلاد، خاصة الجوهري منها، فإن العديد من المظاهر الرئيسية لسياسات العراق الجديد صار من الممكن رؤيتها وتشخيصها ومعالجتها. ورغم أن الدور الذي يمكن للعراق أن يلعبه على صعيد شؤون الخليج العربي لم يتضح بعد، إلا أنه نظراً لاعتماده على إعادة بناء جيشه الحديث على الولايات المتحدة وحلفائها، ونظراً إلى كونه ضمن تحالف المنظومة الغربية من ناحية عملية، فإن الدور المتوقع للعراق في أمن الخليج العربي بالذات سيصبح فاعلاً ومؤثراً. وفيما وراء هذا التحول الجديد في الدور العراقي، فإن الصورة السياسية ليست براقة بعد، فالسياسات العراقية تدور في فراغ، وتعم جوانب كثيرة منها الفوضى، وتطغى عليها انقسامات فئوية وطائفية وعرقية وقبلية بطرق لا يبدو أنها ستتغير بين ليلة وضحاها، وبالإضافة إلى ذلك، وبعيداً عن الصعيد الأمني، اتضح بأن الحكومات المتعاقبة التي تشكلت في أعقاب الغزو الأميركي لم تكن قادرة على تحقيق مطالب الجماهير، لأن الأوضاع السائدة لم تسعفها على ذلك، وتبقى العراق واحدة من أكثر دول العالم معاناة من عوائق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تتواجد فيها مؤسسات إدارية وقانونية ضعيفة. والأدهى والأمرّ أن الطبقة العراقية الوسطى المتعلمة هاجرت إلى خارج القطر، والأجيال الأصغر غارقة في بحور الصراع والضغائن والعزلة. وربما أن المجتمع المدني موجود، لكنه ضعيف، والفقر المدقع يزيد من مآسي منتسبيه ويشل عطاءهم، وهذا النمط من المشاكل ليس من الممكن حلها سريعاً وستبقى طويلاً. ويضاف إلى ذلك أن التعبئة السياسية على أسسٍ طائفية في أوج قمتها. ورغم أن العراقيين يئسوا من استغلال السياسيين للإسلام لتحقيق مكاسب سياسية، تبقى الهوية المذهبية حاضرة في السياسات العراقية، ولكونها مجتمعية أكثر منها دينية، فالعراقيون منقسمون على أنفسهم بين عرب سنة وأكراد وشيعة، وأي تقاسم حقيقي للسلطة بين هذه الكتل سواء في صيغة من تشكيل حكومة ائتلافية أو توزيع المنافع كالوظائف وعقود الأعمال، يرقى إلى ما يمكن أن نسميه بـ"ترتيبات" الاعتراف بالأمر الواقع ليس إلا، وستستمر هذه التقسيمات المذهبية تفعل فعلها على المدى المنظور كمبادئ منظمة ومحددة لسياسات البلاد.