لقد استقطبت أحداث مصر اهتمام العالم أجمع وذالك مرده في الأساس لأمرين، الأول يتعلق بمكانة مصر في العالم عامة والمنطقة خاصة، والثاني لنوعية الحدث وتميزه عن بقية الثورات التي عرفتها البشرية من قبل. فمكانة مصر ودورها الحضاري تم تحجيمهما وتهميشهما حتى ظن البعض أن مصر قد فقدت دورها الحضاري الريادي الذي اكتسبته عبر التاريخ، والذي سطره المصريون بإبداعهم وعرقهم ودمائهم، ولكن تعامل مختلف دول العالم مع أحداث مصر أبرز الدور المحوري لمصر في المنطقة فلا تكاد تجد مؤتمراً صحفيّاً لأحد قادة الدول الكبرى إلا ويتحدث عن أحداث مصر، بل إن البيت الأبيض في واشنطن شكل خلية نحل تعمل بشكل متواصل لمتابعة الأحداث أولًا بأول، ولا يمكن أن يعقد مؤتمر صحفي للبيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية إلا وتجد أن أحداث مصر هي الموضوع الرئيسي له. وأكثر من اهتم بالحدث المصري هو إسرائيل التي جندت العالم للتأكيد على حماية مصالحها بغض النظر عن نتيجة أحداث مصر. إن بروز مصر كرائدة حضارية للعالمين العربي والإسلامي أمر يدركه الغرب وتدركه إسرائيل أكثر منه، إذا اتيحت لهذا الشعب العظيم مساحة من الحرية تسمح له بتفجير طاقاته الإبداعية واستغلال إمكاناته الهائلة. لقد فرضت على الشعب الأمية والجهل بعد أن كان هو الذي يقود مشاعل العلم والمعرفة في العالم العربي بأسره! إن وجود 40 في المئة من الأميين من سكان مصر لأمر يبعث على الريبة والاستغراب، بعد أن كانت مصر ترسل البعثات التعليمية للعالم العربي بأسره! وفي المجمل فإن أي مشروع حضاري في العالم العربي لن يكتب له النجاح إلا إذا كانت مصر تتولى الريادة فيه، وإننا نستطيع أن نتخلف بدون مصر ولكن لا يمكن أن نتقدم بدونها إلا في نطاق محدود. وأما فيما يتعلق بنوعية الحدث فقد أظهر شباب مصر حسّاً عاليّاً من المسؤولية والالتزام الوطني والوعي الكبير بما هو مطلوب منهم تجاه وطنهم ومستقبلهم، فلم تحركهم أحزاب مهمشة أو إيديولوجيات ضيقة، أو أيدٍ خارجية، بل كانت دوافعهم نقية ونواياهم مخلصة لمصر وحدها، ولذلك فإن الجميع أقر بمشروعية مطالبهم سواء في الداخل أوالخارج، بل إن تحركهم أبرز الوحدة الوطنية في أبهى صورها إذ تلاحمت جميع فئات المجتمع، والتفت حول هؤلاء الشباب، واندثرت الدعوات الطائفية، بل برز تلاحم إسلامي قبطي في غياب الوجود الأمني لقوى الشرطة يندر أن نجده في ظل الشحن الأمني للسلطة. إن أغلى ما تملك مصر هو هؤلاء الشباب فهم ثروتها الحقيقية، وهم مستقبلها المشرق، ولذا يجب على عقلاء مصر من أبنائها المخلصين حماية هؤلاء الشباب من الأحزاب والجماعات التي تحاول قطف الثمرة وركوب الموجة، وكذلك تقديم النصح والمشورة لهم حتى يكلل تحركهم بما يخدم وطنهم الغالي، حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء، وجعلها واحة أمن واستقرار.