هل انتهت حقبة ويكيليكس وطُويت صفحتها؟ سؤال يطرح نفسه حالياً، إذ أنه رغم الوقت الذي يفصلنا عن تسريب الموقع لأول أسراره المرتبطة بالوثائق العسكرية الأميركية بشأن أفغانستان، والذي لا يتعدى السنة، فضلاً عن مرور شهرين فقط عن بدء ويكيليكس، في كشف البرقيات الدبلوماسية الأميركية، فإن الصحف التي تنشر الوثائق المسربة باتفاق مع الموقع بدأت بعد نشرها لحوالي ثلاثة آلاف وثيقة، تدرك أنها وصلت إلى نقطة النهاية، ولم يعد هناك جديد يمكن أن يثير اهتمام القراء، كما وصل الصحفيون المشرفون على دراسة الوثائق واستخراج ما بها من معلومات إلى خلاصة مفادها أن ما تبقى من الوثائق لا يعدو دردشة دبلوماسية عديمة الفائدة. لكن ماذا عن الموقع نفسه؟ الحقيقة أنه يمر بوقت عصيب بحيث أدت النجاحات التي حققها الموقع في البداية إلى تشديد الرقابة على المعلومات الحساسة من جهة ودفع أطراف أخرى إلى دخول حلبة المنافسة من جهة ثانية، ففيما يواجه مؤسس الموقع والمناضل على صفحات الإنترنت، "جوليان أسانج"، تحقيقاً جنائياً في السويد والولايات المتحدة انشق بعض مساعديه المتذمرين من الطريقة الفضة التي يتعامل بها وأسسوا موقعاً خاصاً بهم أسموه "أوبنليكيس"، بل الأخطر من ذلك بالنسبة للموقع تفكير "نيويورك تايمز" التي تنشر الوثائق المسربة في فتح نافذة مباشرة مع القراء وأصحاب الأسرار كي ينشروا ما يحلوا لهم من وثائق سرية يحصلون عليها دون الحاجة إلى وسيط مثل "ويكيليكس" أو غيره، وقد أخبرني رئيس تحرير "نيويورك تايمز"، بيل كيلر، في رسالة عبر البريد الإلكتروني أن "الهدف سيكون تسهيل الحصول على معلومات من أشخاص يخشون الحديث مباشرة إلى الصحفي". هذا في الوقت الذي بدأت فيه الحكومة الأميركية تتخذ خطوات للحؤول دون تكرار ما سربه الجندي الأميركي في العراق، "برادلي مانينج"، الذي جمع معلومات سرية في قرص مدمج وهربها إلى موقع "ويكيليكس"، ومع أن التسريبات ستستمر سواء من خلال "ويكيليكس" وغيره، إلا أن ذلك ليس أمراً جديداً، بل يرجع إلى ثاني رئيس أميركي، جون أدامز، الذي اشتكى من تسريب معلومات سرية متسائلًا: "كيف يمكن للحكومة الاستمرار في حين تُسرب مفاوضاتها مع القوى الأجنبية؟". ويبقى السؤال بعد تجاوز مشكلة "ويكيليكس" عن الدروس التي تم استخلاصها من التجربة المحرجة، فالوثائق الأخيرة الخاصة بالدبلوماسية الأميركية، لم تأتِ بجديد لأنها ليست وثائق تابعة لوزارة الدفاع، وما كشفته لا يعدو برقيات دبلوماسية نقلت انطباعات سلبية للدبلوماسيين الأميركيين عن بعض قادة العالم، فضلاً عما كشفته الوثائق من مقدرة جيدة لدى الدبلوماسيين في تحرير النصوص والكتابة. أما الأهم فهو إطلاعنا على بعض الممارسات المسيئة مثل الأموال التي يجنيها رئيس الحكومة الإيطالي، سيلفيو برلسكوني، من صفقاته الخاصة مع رئيس الحكومة الروسي، فلاديمير بوتين، هذا فضلًا عن توظيف الحكومة الصينية للآلاف من قراصنة الكمبيوتر للتجسس على البريد الإلكتروني للمواطنين. ويظل أهم ما تعلمناه من الوثائق حاجتنا المستمرة للصحفيين، كي ينكبوا على دراسة الحجم الهائل من المعلومات ومعالجتها. ومن اللافت أنه حتى "أسانج"، الذي يعتبر من رواد الإعلام الجديد شعر بالحاجة إلى الصحف والمجلات الورقية التقليدية لنشر البرقيات المسربة. وتعلمنا أيضاً من الوثائق بعض المعلومات الخطيرة كتلك التي كشفت عنها صحيفة "الجارديان" البريطانية من أن رئيس الحكومة في زيمبابوي "مورجان تسفانجيراي" حث الحكومات الغربية سراً على إبقاء العقوبات الاقتصادية على نظام موجابي، رغم اقتسامه للسلطة معه، وهو ما دفع النائب العام في البلاد إلى إعلان اعتماده على التقرير لتوجيه تهمة الخيانة العظمى إلى "تسفانجيراي"؛ هذا ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن مصالح الاستخبارات الصينية المتخصصة في تكنولوجيا الإعلام قد اخترقت موقع "ويكيليكس" ما حدا بالحكومة الأميركية إلى تحذير المئات من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الوثائق المسربة مخافة انتقام الحكومات منهم، لكن رغم هذه المواقف المحرجة والخطيرة في بعض الأحيان كانت للوثائق المسربة بعض الحسنات مثل ما تأكد للتونسيين من أن الولايات المتحدة لا تكن الكثير من الود لرئيسهم كما كان يُعتقد، وإن كان من الصعب المبالغة في دور ويكيليكس في تأجيج الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس. وفي الأخير لا بد من الإشارة إلى أن ما يؤرق الحكومات في هذه المرحلة ليست ويكيليكس والمواقع المشابهة التي تسرب الأسرار، بل تكنولوجيا المعلومات التي لا تسهل فقط عملية التواصل، بل تسهل تسريبها أيضاً. ولعل أفضل ما قيل في هذا الخصوص تصريح وزير الدفاع الأميركي في العام الماضي الذي نصح الحكومات "بالتعود على التسريبات" لأنها من الآن وصاعداً ستصبح جزءاً من المستقبل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دويل ماكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"