الإحصاءات المرورية التي كشفت عنها وزارة الداخلية، مؤخراً، تشير بوضوح إلى التكلفة المرتفعة للحوادث المرورية، التي لا تقتصر على الأبعاد الاجتماعية المترتبة على فقد الضحايا وحسب، بل والتكلفة الاقتصادية أيضاً. فحسب هذه الإحصاءات فإن الفئة العمرية من 18 إلى 35 عاماً تشكّل أكثر من 50 في المئة من إجمالي وفيات المواطنين، في الحوادث المرورية التي شهدها العام الماضي على مستوى الدولة، إذ بلغ عددهم 109 شباب من إجمالي 211 وفاة من شرائح عمرية مختلفة. ورغم أن الإحصاءات أشارت إلى تراجع إجمالي وفيات المواطنين بنسبة 4 في المئة، فإنها على الجانب المقابل رصدت ارتفاعاً في أعداد المصابين جراء هذه الحوادث من 1241 إصابة عام 2009 إلى 1441 إصابة عام 2010. هذه الإحصاءات المقلقة تأتي رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة الداخلية، وإدارات المرور المختلفة من أجل توعية أفراد المجتمع بالتزام القواعد والإرشادات المرورية في إطار سعيها نحو توفير بيئة مرورية آمنة، خالية من الحوادث المرورية. كما أن هذه الإحصاءات أيضاً لا تتناسب مع تطلعات الوزارة نحو خفض معدلات وفيات الطرق بوجه عام إلى أدنى مستوياتها كي تقترب من المعدلات العالمية في هذا الشأن. استمرار الإحصاءات المرتفعة للحوادث المرورية بهذه الصورة المقلقة يشير إلى أن نسبة كبيرة من السائقين لا يلتزمون المعايير والقواعد المرورية، غير عابئين بالعقوبات المشددة التي تصل إلى فرض غرامات مالية كبيرة عليهم وسحب رخصة القيادة منهم، خاصة أن الأسباب التي تقف وراء النسبة الأكبر من هذه الحوادث ناتجة عن أخطاء بشرية يمارسها هؤلاء، أبرزها الانشغال بالأجهزة الإلكترونية أثناء القيادة، وعـدم التزام قوانين السير والمرور، والسرعة الزائدة، والقيادة المتهوّرة، والتسابق على الطريق وغيرها. ولعل الأمر الخطر الذي تثيره هذه الإحصاءات هو ما يتعلق بنسبة الوفيات في صفوف الشباب التي تزيد على 50 في المئة من إجمالي وفيات المواطنين، فهذه النسبة كبيرة ومقلقة في آن معاً، لأنها تعني حرمان المجتمع من عناصر كان يمكن أن تنخرط في مشروعات التنمية وخططها والإسهام في حركة التطور التي تشهدها الدولة، كما أن نسبة الإصابات المرتفعة، وما يرتبط بها من متطلبات للرعاية الصحية، تستنزف جانباً كبيراً من المخصصات المالية كان يمكن توجيهها إلى مشروعات أو أهداف أخرى. في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل التكلفة الاجتماعية والنفسية لهذه الحوادث، فكون هؤلاء الضحايا من الشباب يعني أن نسبة كبيرة منهم لديها أسر وأبناء، سيكونون بالطبع أكثر المتأثرين بوفاتهم، ليس للاعتبارات الاقتصادية التي ترتبط بالإنفاق فقط، وإنما للاعتبارات النفسية أيضاً التي يمكن أن تصاحب أبناء هؤلاء من وحدة واغتراب وعدم قدرة على الاندماج مع ذويهم وأقرانهم في المستقبل. إن استمرار ظاهرة الحوادث المرورية وتركيزها في فئة الشباب، حتى رغم الانخفاض في نسبها من عام إلى آخر، يشير بوضوح إلى أن المجتمع بأكمله هو الضحية، وهو الأمر الذي يتطلب أن تكون مواجهتها في إطار مجتمعي شامل، يتكامل مع الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية وإدارات المرور المختلفة من أجل التصدي لهذه الظاهرة ومن ثم تجنّب تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المرتفعة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.