مازال العرب مصدومين مما جرى في تونس. والحقيقة أن العالم كله يعيش مرحلة ما بعد الصدمة، وإنْ كان من حلم يراود بعض العرب "الديمقراطيين" فهو أن لا تستقر الأوضاع في تونس، وينقلب السحر على الساحر. تمنى البعض أن تتكرر صورة الصومال القديم في تونس، حيث يحلم الناس هناك بحكم سياد بري. عند البعض تمثل هذه الصورة من الحراك الشعبي غير الحزبي وغير المدعوم من قوى الاستكبار العالمي نموذجاً بالإمكان أن يتكرر لو نجح في العديد من دول العالم العربي التي تعيش حالة من "الديمقراطية الديكتاتورية"، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحزب الحاكم. وحتى الأحزاب المعارضة تمثيلية يخدع بها بعض العرب ذواتهم كي يقلدوا "ديمقراطية أكثر من حزب"، فالمعارضة العربية لها صفات أهمها أن لا تفكر في يوم من الأيام في أن تكون في سدة الحكم، لذلك مل العرب من ديمقراطيتهم المزعومة في الأحزاب الحاكمة، وانقلبوا كذلك على أحزاب المعارضة المفصلة بما يرضي الحزب الحاكم. كما أن الشعوب العربية ملت ديمقراطية الانتخابات، التي تُعرف نتائجها قبل أن تُعلن، بل قبل أن تتم هذه الانتخابات، ديمقراطية العرب هي سر تخلفهم لأنهم مشوا مشية لا تناسبهم، لأنهم يعيشون في كوكب غير الكرة الأرضية، فكيف تقنع بعض الحكومات شعوبها الجوعى والعاجزة عن التغيير لما فيه الأفضل؟ وكيف يكذب بعض العرب الذين يعيشون ديمقراطية الزيف أن الشعب إنْ أراد الحياة، فإن حزبه الحاكم سيمنعه... تساؤلات أرّقت الشارع السياسي الديمقراطي العربي. العربي اليوم بحاجة إلى حرية تتيح له التعبير عن وجهة نظره، فقد اجتهدت ديمقراطية العرب على أن يرضع الإنسان لبن الصمت، لأنه في بعض البلدان العربية تربى على أن الجدران لها آذان، وللحزب الحاكم سلطان، حتى على المشاعر والأفكار. ولما تمرد العربي على هذه المعان أدخل مرة في بوتقة دعم الإرهاب، ومرة أخرى في العمالة لقوى الظلم. والناس في حقيقة أمرهم، باحثون عن مساحة وإنْ ضاقت للتعبير الحر. بعض الشعوب العربية بحاجة إلى حكومات تصدقها الإنجازات، فكيف يقنع العربي بعد اليوم بإنجازات على صورة شعارات، ليس لها في حقيقة الأمر خيال ولا مجال، من يحكم اليوم في بعض البلدان العربية ينبغي أن يعلن بكل شجاعة أنه وخلال سنوات محدودة، سيرى الناس في حياتهم التغيير.