يعدّ التوطين أحد الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لسياسة التنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، لذا تخصص الدولة لهذا الهدف الاعتمادات المالية اللازمة وتدفع مؤسساتها إلى وضع الأسس القانونية والتشريعية الضرورية لتحقيقه، وذلك من أجل مواجهة مشكلة البطالة ومعالجة الخلل الذي يعانيه سوق العمل الإماراتي، ففي الوقت الذي يعجّ فيه هذا السوق بكمّ كبير ومتنوّع من فرص العمل التي تستقطب الكوادر البشرية من الجنسيات كافة، فإن نسبة البطالة بين المواطنين تصل إلى نحو 13%، وفق تقديرات "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية". لاشك في أن هذه النسبة من البطالة لها أسبابها المختلفة لكنها تعبّر في أحد جوانبها المهمّة عن تدنّي مستوى التزام قواعد التوطين ونسبه التي حدّدتها الدولة، خاصة من قِبل بعض مؤسسات القطاع الخاص، حيث تشير الإحصاءات إلى التدني الواضح في أعداد الأيدي العاملة المواطنة بين إجمالي العمالة الموظفة في مؤسسات ذلك القطاع، إذ لم تبلغ نسبتهم أكثر من نحو 0.3% في مطلع عام 2010، وفقاً لبيانات "وزارة العمل" الإماراتية، كما تراجعت هذه النسبة بنهاية العام المذكور إلى نحو 0.2%، هذا في الوقت الذي تمثّل فيه العمالة الآسيوية نحو 88% من إجمالي العاملين فيه. وكخطوة لدفع القطاع الخاص إلى التزام قواعد التوطين أعلنت "وزارة العمل" الإماراتية مؤخراً نيّتها فرض عقوبات مالية وإدارية رادعة على المؤسسات الخاصة غير الملتزمة التوطين، التي قد تلتفّ على عملية التوطين من خلال ممارسة ما يسمّى "التوطين الصوريّ"، وفي هذا السياق أكّدت الوزارة نيّتها عدم التنازل عن توطين مهنة "مندوب العلاقات العامة" بشكل كامل في تلك المؤسسات، وأعلنت أنها لن تتعامل مجدداً مع المؤسسات التي تخالف هذه القواعد، ولن تمنح خدماتها لتلك المؤسسات إلا من خلال مندوبين مواطنين، على أن تفرض غرامات مالية قدرها 20 ألف درهم على المؤسسات المخالفة، إلى جانب تخفيض تصنيف المنشأة ضمن نظام التصنيف المتبع في الوزارة، وفي المقابل ستمنح الوزارة حافزاً للمؤسسات الملتزمة عبر إعفائها من الرسوم المستحقّة على تعيين كوادر جديدة، في حال تم تعيين مواطنين. تمثل هذه الإجراءات آلية جديدة تضاف إلى رصيد الآليات التي تتبنّاها دولة الإمارات ومؤسساتها المعنيّة من أجل إيجاد فرص عمل بأعداد كافية لاستيعاب العمالة الوطنية الداخلة إلى الأسواق والسحب من الرصيد المتراكم من البطالة المواطنة على مدار السنوات الماضية، ولاشك في أن الاستراتيجية الوطنية لمعالجة التركيبة السكانية التي أعلن الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، مؤخراً، أنها في مراحلها النهائية، سوف توفّر إطاراً فاعلاً للعمل من خلاله في التعامل مع القضية عبر منظور يتّسم بالشمول والمؤسسية. وبوجه عام فإن نجاح مهام التوطين يعتمد بدرجة كبيرة على مراعاة التوازن بين مجموعة من الأمور، بين مصلحة العمالة المواطنة ذاتها من ناحية ومصلحة المؤسسات الخاصة من ناحية أخرى، وبين تطلّعات العمالة المواطنة من ناحية وما هو متاح بالفعل من فرص عمل في الأسواق من ناحية أخرى، وبين مخرجات نظام التعليم من ناحية واحتياجات أسواق العمل من ناحية أخرى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.