--- هكذا قلت لمجموعة من الأصدقاء ببيروت في ديسمبر الماضي في حديث غير رسمي على هامش مؤتمر الفكر العربي السنوي. تعجبت إحدى الحاضرات -وهي غير لبنانية: أول مرة أشوف رجلا عربيا وبالذات خليجيا وتحديداً كويتيا لا يرى ببيروت ولبنان جمالاً. قلت لها موضحاً: أنا "زعلان على لبنان"، وهي باللهجة الخليجية تعني أني زعلان منه وعليه، وحين نقول إن الأب زعلان على ابنه أو أن الرجل زعلان على زوجته، فهذا يعني في الغالب أن الابن أو الزوجة قاما بعمل "مزعل" للأب أو للزوج. ولكن في كلتا الحالتين لا يزال الأب يحب ابنه، والزوج يحب زوجته. أنا زعلان على لبنان لأنه يتعمد هذه الأيام أن يتقبّح مع سبق الإصرار والترصد، فلبنان الجميل يتلاشى جماله ويحاول أن "يتجمل". شعرت بذلك القبح في أجواء لبنان بسبب السياسة، تمنيت لو أنني لا أتابعها، فلو كنت كذلك لما رأيت بلبنان سوى جماله وكرم أهله وروعة فصوله المناخية. ولكنني أعشق لبنان ومتيم به. لست وحدي بالطبع -فللبنان في قلوب الملايين من العرب مكانة لا يحتلها سوى لبنان. علاقتي بلبنان أشبه ما تكون بعلاقة العاشق المغرم الذي خانته حبيبته، أو الأم التي انزلق ابنها الوحيد في عالم المخدرات، فجلب لنفسه وحياته ولأمه الخزي والخجل والفشل. الأم لن تكره ابنها أبداً، لكنها "زعلانة عليه". قبل أيام انقلب "حزب الله" على التوافق، هذه حقيقة لا يجادل فيها إلا غير المتابع أو المؤيد لـ"حزب الله" -ولن نقول سوريا فالكلمة العليا بلبنان لم تعد لسوريا وحلفائها، ولكنها لـ"حزب الله". الأمانة تقتضي أن نوضح: "حزب الله" لم ينقلب على الديمقراطية في لبنان، فالديمقراطية السياسية أقرب إلى كوريا الشمالية وكوبا منها إلى لبنان. فسياسيّاً، لبنان محاصص منذ اتفاق 1942، وهو الاتفاق الذي مأسس للطائفية السياسية وشرعنها: الرئاسة مارونية، والوزارة سُنية والبرلمان شيعي. هذه المعادلة تعني أن لبنان السياسي في واد والديمقراطية في واد. هكذا حاول اللبنانيون العيش تحت ما تم نحته في العقل السياسي اللبناني باسم "التوافق". والتوافق يعني أن من يمثل الأكثرية في الطوائف الثلاث -موارنة، سنة، شيعة- هو الذي يشغل المواقع الرئاسية الثلاثة: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزارة ورئاسة البرلمان. وهذا ما لم يحصل الأسبوع الماضي، فما جرى هو انقلاب على "التوافق"، أي انقلاب على المحاصصة الطائفية، حيث حدد "حزب الله" الرئيس الماروني ورئيس الوزراء السني وقبله رئيس البرلمان "المزمن" نبيه بري. وهو جريمة سياسية بكل المقاييس، من حيث إنها انقلاب من يملك السلاح في مواجهة الأعزل، ولأنه إعلان لانقسام طائفي سني-شيعي في لبنان، فمهما حاول أنصار "حزب الله" أن يذكروا بسنية ميقاتي، فهو شبيه بترشيح قبطي في قائمة "الإخوان المسلمين" بمصر، أو شيعي بقائمة الحزب الإسلامي العراقي (الإخوان)، أو ترشيح سني بقائمة المالكي (الدعوة) أو الصدر بالعراق. عسى ألا يفهم من هذا المقال ضرورة عودة الحريري لرئاسة الوزراء، فذاك يعني المطالبة باستمرار "التوافق" والعودة إليه، وهو ما يعني العودة لتكريس الطائفية السياسية، وهو الذي يعني ترجمة للمشروع "الصهيوني" في المنطقة -كما يدعي مناوئوه وعلى رأسهم "حزب الله"- الذي ينشد تفتيت المنطقة على أسس طائفية ودينية وعرقية. الخلاص الوحيد للبنان هو بإلغاء مبدأ التوافق والبدء بحركة لبنانية شبابية تونسية "تويترية" (نسبة إلى تويتر)، تطالب بإلغاء الطائفية السياسية التي قناعها التنكري كذبة "التوافق"، وتبدأ بالعمل على إلغاء الزعامات التقليدية الطائفية، وخلق لبنان اللبنانيين، وليس لبنان التوافق- الكذبة- الطائفية. حلم جميل، ولكن لبنان أجمل- بالأحلام!