في مقدمة كتابه "ويكيليكس وعصر الشفافية"، يقول "ميكا سيفري"، مؤسس ومحرر منتدى "بيرسونال ديموكراسي"، وهو موقع على شبكة الإنترنت يبحث في الطريقة التي تغير بها الشبكة السياسة والمجتمع، إن فكرة تأليف هذا الكتاب قد راودته عندما لمس حجم الاهتمام الهائل الذي حظيت به الرسائل والوثائق السرية التي سربها موقع ويكيليكس الشهير، وعندما تابع تفاصيل السجال الذي أثاره نشر تلك الوثائق، والحرج الذي سببته للعديد من الحكومات. وأنه قرر أن يقدم للقراء إطلالة كاشفة على تفاصيل هذا الموقع المثير للجدل. وهو يقدم في الصفحات الأولى تعريفاً بالموقع فيقول إنه موقع إلكتروني مخصص لكشف الفضائح والانتهاكات التي ترتكبها المؤسسات أو الحكومات، بهدف الترويج لمبادئ الشفافية ومقاومة القمع والعمل على وضع نهاية للانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الإنسان، وأنه تأسس في يوليو 2007، وباشر منذئذ نشر المعلومات، وخوض المعارك القضائية والسياسية، لحماية المبادئ التي قام عليها، أي "المصداقية، وشفافية المعلومات والوثائق، وحق الناس في خلق تاريخ جديد". ويقول المؤلف إنه وضع كتابه منطلقاً من "الخنادق الأمامية التي تتمترس بداخلها حالياً تشكيلة واسعة من النشطاء المدافعين عن الديمقراطية والشفافية، في مختلف أنحاء العالم، والمنهمكون في الكشف عن مزيد من الأسرار والانتهاكات مستخدمين أدوات جديدة لفتح أبواب وخزائن أسرار مؤسسات وكيانات قوية، اعتادت العيش في بيئات مغلقة وراء أسوار كثيفة من الحماية والسرية". ويقول المؤلف إن مهمة ويكيليكس لم تتوقف عند كشف الفضائح والأسرار، بل امتدت لمحاسبة المؤسسات والأنظمة المنتهكة ووضعها في موقف الدفاع عن النفس أمام شعوبها، مما يقلل شهيتها لارتكاب مزيد من الانتهاكات. وهو يرى أن هذا الموقع ليس سوى جزء من حركة تغيير ضخمة تطال الطريقة التي يتصل بها الناس، والجماعات، ببعضهم بعضها، وهي تغيرات يراها صحية ومهمة لنمو المجتمع وانفتاحه. ويقول المؤلف إن التطورات الهائلة في تقنية الاتصال زادت قدرة الأفراد والجماعات على التواصل في أي وقت، وبيسر لم يكن متاحاً من قبل، فأصبحت المعلومات تتدفق في المجال العام، بفعل شبكات لا حصر لها من الناس المنتشرين في مختلف أنحاء العالم. وأفراد تلك الشبكات -كما يقول- يتعاونون مع بعضهم بعضاً، لتقاسم البيانات والمعلومات الحيوية من جهة، والعمل من جهة أخرى على حرمان المؤسسات والأنظمة الفاسدة من القدرة على إخفائها. ويقول المؤلف إن المؤسسات والأنظمة المتحكمة أدركت أنه ليس من بديل أمامها سوى القبول بهذه الحقيقة، والعمل على التكيف معها. ويؤكد أن عصر الشفافية لم يبدأ لأن هناك موقعاً إلكترونيا عابراً للقوميات مهمته كشف الأسرار والفضائح، مثل ويكيليكس، وإنما لأن الطريقة التي يتم بها إنشاء وصيانة تلك الشبكات قد باتت معروفة ومنتشرة على نطاق واسع، ومتاحة لمن يرغب في إنشاء موقع إلكتروني مشابه لويكيليكس. فعصر السرية وحجب المعلومات بدأ يتآكل ويتداعى تدريجياً لصالح عصر جديد من الانفتاح والشفافية وتقاسم المعلومات. ويرى المؤلف أن العالم قد وصل الآن إلى نقطة مفصلية في هذه العملية، وأن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين الذين طالما دعوا الحكومات القمعية -دونما جدوى- للانفتاح والشفافية، باتوا الآن يشعرون بالذهول وهم يرون أن موقعاً لكشف الانتهاكات والفضائح قد حقق ما لم يتمكنوا من تحقيقه خلال سنوات. وفي نهاية الكتاب يقول المؤلف إن هناك موقفين متناقضين تجاه ويكيليكس والمواقع المشابهة: الموقف الأول يتبناه فريق يشمل دولاً ومنظمات وأفراداً، يرون جميعاً أن مثل هذه المواقع قد باتت ضرورة لا غنى عنها في عصر الشفافية والسماوات المفتوحة. وفريق آخر يرى أن الشفافية يمكن تحقيقها من خلال وسائل أخرى أقل ضرراً، مثل الدعوة لحرية شبكة الإنترنت ومواقع التواصل، فحينها ستنتفي الحاجة إلى مواقع مثل ويكيليكس، لأن تكاثر تلك المواقع وانخراطها في أنشطة الكشف والفضح، يمكن أن يخلق حالة غير مسبوقة في العلاقات الدبلوماسية الدولية، تغلب عليها الفوضى والعشوائية. ورغم أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بالاتجاه الذي ستمضي فيه الأمور، فإن المؤلف يتمنى أن يكون قد حقق في كتابه هذا فهماً أفضل للطريقة التي وصل بها العالم لواقعه الحالي، وأن يكون هذا الكتاب معيناً في رسم خريطة طريق، أكثر وضوحاً، نحو المستقبل. سعيد كامل ------- الكتاب: ويكيليكس وعصر الشفافية المؤلف: ميكا إل. سيفري الناشر: أور للنشر تاريخ النشر: 2011