في الماضي، عندما شعر الناس بأن البشرية جمعاء قد تخلّت عنهم، اعتادوا إيجاد العزاء في معرفة أن الله القدير، ولا أحد سواه، يشهد معاناتهم يومياً. ويبدو أن التلفاز اليوم في نظر البعض يساعد على توفير جزء من هذا العزاء. ناقشت مؤخراً هذه الظاهرة خلال وجبة غداء في مدريد. وعلى الرغم من أنني لطالما كنت فخوراً بمبادئي الجمهورية، نلت منذ ثلاث سنوات لقب دوق مملكة ريدوندا (إن لقبي الرسمي هو Duque de la Isla del Dia de Antes أو دوق جزيرة اليوم السابق). وأتشارك في هذا اللقب مع صانعي الأفلام "بيدرو ألمودوفار" و"فرانسيس فورد كوبولا" والكُتّاب "أي. أس. بيات" و"أرتورو بيريز ريفيرتي" و"فرناندو سافاتير" و"بييترو سيتاتي" "وكلوديو ماغريس" "وراي برادبوري، وسواهم – وتجمع بيننا صفة مشتركة، ألا وهي أننا نلقى جميعاً إعجاب الملك. إن جزيرة "ريدوندا"، التي تمتد على أقل من ميل مربع في جزر الهند الغربية غير مسكونة على الإطلاق، ولا أعتقد أن أياً من ملوكها سبق أن وطئ أرضها. وتم شراؤها عام 1865 من قبل مصرفي يُدعى "ماثيو دودي شييل". وتقول إحدى القصص إن هذا الرجل طلب من الملكة فيكتوريا إعلان "ريدوندا" مملكة مستقلة، ووافقت جلالة الملكة على ذلك من دون أي تردد، لأن الجزيرة لم تشكّل أي تهديد للإمبراطورية البريطانية. ومع مرور الوقت، خضعت تلك الجزيرة لسيطرة ملوك عدّة، وأقدم البعض منهم على بيع هذا اللقب مراراً، متسبباً بمشادات حادة بين سرب من المدّعين. وفي عام 1977، تخلى الملك الأخير عنها لصالح الكاتب الإسباني الشهير خافيير مارياس الذي بدأ يوزّع لقبَي الدوق والدوقة يميناً ويساراً. هذا هو فحوى القصة. فهي ترتبط بالسخافات التي تتعدى علم ما وراء الطبيعة. ولكن في النهاية، نادراً ما يحصل المرء على فرصة نيل لقب دوق. ولكن ما أقصده هو أن "مارياس" قال شيئاً خلال وجبة الغداء لمّا يفارق ذهني. كنا نتحدث عن ذاك الواقع المعولم، ألا وهو أن الناس مستعدون لفعل أي شيء من أجل الظهور على شاشة التلفاز، ولو اقتصر الأمر على التلويح لوالدتهم من وراء الشخص الذي تجرى معه مقابلة. مؤخراً في إيطاليا، توجّه شقيق فتاة وقعت ضحية جريمة قتل شنعاء إلى وكيل أعمال ذائع الصيت من أجل السعي لتدبير ظهور على شاشة التلفاز بغية استغلال شهرته المأساوية، وذلك بعد أن تمّ ذكر اسمه في بعض وسائل الإعلام. وثمة البعض الذين برهنوا على استعدادهم للاعتراف بأنهم تعرضوا للخيانة الزوجية أو خدعوا الغير بشرط أن يحظوا بدقائق قليلة تحت الأضواء. ويعلم علماء النفس الجنائيون أن معظم القتلة المتسلسلين تدفعهم الرغبة في الكشف عن هويتهم وكسب الشهرة. تساءل"مارياس" عن سبب هذا الجنون. وأشار إلى أن ما يحصل اليوم يأتي نتيجة ضعف إيمان الناس بالله. في السابق، كان الرجال والنساء مقتنعين بأن أفعالهم كلها تحظى على الأقل بمشاهد إلهي واحد يعرف كافة أعمالهم (وأفكارهم) ويتفهّمهم، ويعاقبهم متى دعت الحاجة إلى ذلك. قد يكون المرء منبوذاً أو فاشلاً أو نكرة يتجاهله الجميع، أو شخصاً سينساه الناس في اللحظة التي يموت فيها، إلا أنه كان مقتنعاً بأن الله الواحد أولاه أهمية. اعتادت الجدة السقيمة، بعد أن تخلى عنها أحفادها، أن تقول، "يعلم الله ما المعاناة التي عرفتها". واعتاد المدان ظلماً أن يجد بعض العزاء في القول، "يعلم الله أنني بريء". واعتادت الوالدة أن تقول إلى ابنها الجاحد، "يعلم الله التضحيات التي بذلتها من أجلك". واعتاد العاشق المهجور أن يشتكي باكياً، "يعلم الله كم أحبك". واعتاد البائس الفقير الذي لم يكترث أحد للمحن التي واجهها، أن يتحسّر قائلاً، "يعلم الله ما عانيته". واعتاد الجميع أن يتوسلوا إلى الله الذي يرى ويشهد كل شيء ويهب بعض المعنى إلى حياتهم السخيفة التي لا فائدة لها. الآن، وبعد ضعف إيمان البعض، ماذا يتبقى لنا؟ إنها عين المجتمع وأقراننا التي يُجدر بنا الظهور أمامها، من أجل تفادي السقوط في ثقب الإغفال الأسود وزوبعة النسيان – ولو عنى ذلك أداء دور مغفل القرية. وأصبح الظهور على الشاشة التلفازية بديلاً عن السمو، وبعد أخذ كل شيء في الاعتبار، يعدّ تجربة مرضية. فنحن نرى أنفسنا – ويرانا الآخرون – في تلك الآخرة المتلفزة حيث يمكننا التمتع في آن بكافة فوائد الخلود (ولو حصل ذلك بشكل سريع وعابر) وبفرصة كسب الشهرة على الأرض بعد ارتقائنا إلى السماء. ولكن في هذه الحالات، يسيء الناس فهم المعنى المزدوج لكلمة "الاعتراف". نطمح جميعاً إلى "اعتراف" الغير بإنجازاتنا وتضحياتنا والصفات الحسنة الأخرى التي قد نتمتع بها. ولكن بعد ظهورنا على الشاشة، عندما يلتقي بنا أحدهم في مقهى ويقول، "لمحتك على شاشة التلفاز ليلة البارحة"، فهو لا "يتعرّف" سوى إلى وجوهنا – وهذا أمر مختلف تماماً. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب مع خدمة "نيويورك تايمز"