البداية العربية لعام 2011 تبدو مثيرة للغاية.. فكل أحداث هذا العام التي جرت خلال خمسة وعشرين يوماً الماضية تدعو الى التفكير العميق فيه. فيبدو أن الشعوب العربية مع بداية هذا العام اكتشفت نفسها، وهي ما تزال حتى هذه اللحظة غير مصدقة بأنها وصلت إلى اليوم الذي تشعر فيه بأنها شعوب حية لا تقل شأناً عن غيرها من شعوب العالم في الشرق والغرب وأن لها تأثيراً وأنها يمكن أن تغير... بالطبع هذا الشعور لم يأتِ إلا بعد نجاح الشعب التونسي في إسقاط نظامه السابق. حال العالم العربي يحتاج إلى صورة فوتوغرافية، فمن الواضح أننا نمر بمرحلة تاريخية قد تؤدي الى كثير من التغيرات المتوقعة وغير المتوقعة… أما المحاولات التي تحدث هذه الأيام من أجل تغيير الوضع القائم فيمكن أن تنجح ويمكن أن تفشل، فليس هناك أي ضمان لنجاح هذه التحركات كما نجحت ثورة تونس، فالثورات لا تكرر نفسها، ولكن سيذكر التاريخ أنه في شهر يناير من عام 2011 شهدت الدول العربية "صحوة" شعبية بعد سنوات من الصمت وبعد سنوات من التجاهل الرسمي لمطالب الشعوب واحتياجاتها. بعض أنظمة الحكم في الجمهوريات التي لا تحتمل بقاء حكامها أطول مما حكموا بحاجة إلى عمل جاد لإقناع الشعب بذلك الحاكم وبنظامه وبعدها على الشعب أن يختار. وليس مستحيلاً ولا ممنوعاً أن يبقى الرئيس على رأس حكومته لسنوات طويلة، لكن يجب أن يقترن ذلك بالإنجاز وبتحقيق التنمية والعيش الرغيد للمواطنين والقضاء على الفساد والمحسوبية. وبعدها سيخرج الشعب في مظاهرات تطلب من الرئيس البقاء على كرسيه لفترة أطول وهي دعوة حقيقية وليست مظاهرات مجهزة ومدفوعة الأجر. وعلى سبيل المثال رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد بقي في الحكم أكثر من عشرين عاماً وبعدها تخلى عن المنصب وقد بكى الشعب الماليزي كثيراً، لذلك التخلي، لشعوره بأنه خسر رجلاً قدم لوطنه الكثير. أما في الدول العربية فيريد بعض الحكام البقاء في الحكم مدى الحياة دون أن يقدموا شيئاً للشعب، وإذا رفض الشعب بقاءهم الأبدي يتم تغيير الدساتير والقوانين ويضرب برأي الشعب عرض الحائط بل وتكون الحالة معاكسة لحالة مهاتير. الشعب العربي بدأ يفكر في ما يريد وما يجب عليه فعله، بدأ يتساءل لماذا كان صامتاً وسلبياً تجاه ما يعانيه من أوضاع يعتقد اليوم أنها كانت خاطئة، وهذا ما جعل الشارع العربي في الحالة التي فيها الآن. فمنذ يومين أخذت الاحتجاجات في مصر منعطفاً جديداً وصارت الحكومة تواجه مظاهرات متزايدة كما بدأت الشعارات المرفوعة تتميز بوضوح أكبر في المطالبات الشعبية، وعندما يبدأ صوت الشعب في الارتفاع هناك أشياء كثيرة يجب خفضها حتى لا تتفاقم الخسائر. والشعب في مصر بدأ في الخروج عن النص القديم وبدأ يكتب نصاً جديداً يختلف في الشكل لكنه نفس المضمون السابق. ما يحدث هناك يحتاج إلى تعامل حذر ومتزن، فاستقرار مصر أمر يهم كل العرب، كما أن مصلحة الشعب المصري لا يمكن أن يختلف عليها اثنان. وما يزال شباب اليمن منتشين بثورة تونس، والمظاهرات في جامعة صنعاء لم تتوقف منذ أسبوعين، فاليمنيون يريدون أن تتطور بلادهم وأن تتخلص بلادهم مما يعتقدون أنه "فساد"، وأن تستقر وينتعش اقتصادها وبأن حريتهم غير منقوصة، ولا يريدون الاستمرار في الشعور بالعجز وبأنهم أقل شأناً من الشعوب العربية الأخرى. الجزائر أيضاً وصلتها وبسرعة تأثيرات التحول في تونس المجاورة، فالشعب الجزائري يشعر بأنه يعاني كما يعاني الشعب التونسي -مع بعض الاختلافات البسيطة- لذا قرر أن يتحرك في مظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقه كما يكفلها له الدستور وتمت مواجهته، لكن يبدو أن الأمر لم ينته تماماً. وفي فلسطين يبدو أن هناك بوادر أزمة قادمة مع بداية عام 2011، وذلك بعد أن أطلقت إحدى القنوات يوم الاثنين الماضي حملة تكشف فيها عن وثائق مهمة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وتضع هذه الوثائق بين يدي المواطن العربي والفلسطيني كثيراً من الحقائق والمعلومات التي من شأنها إثارة الشارع الفلسطيني بأكمله، إذ تبين بأن المفاوض الفلسطيني قام بأمور قد تغضب الشعب الفلسطيني، وهذه ثورة ويكيليكس عربية ستكشف الأيام القادمة تداعياتها. أما في لبنان فقد أسقطت المعارضة بقيادة "حزب الله" حكومة الحريري وجاءت بميقاتي ليكون رئيساً للوزراء بدلاً من الحريري الأمر الذي أغضب الشارع اللبناني في بعض المدن واندلعت أعمال شغب وتخريب. وإن كانت هناك أزمة في لبنان فهي أزمة سياسية أكثر مما هي أزمة شعب وبالتالي فالسجال السياسي في لبنان قد يستمر مع بداية 2011 وسينتظر العرب ليروا ما تؤل إليه الأمور هناك بعد التغيير الإجباري الذي حدث والذي من شأنه أن يشق الصف السني اللبناني وبالتالي قد يشق الصف العربي في موقفه من الحكومة الجديدة. نعود إلى تونس لنؤكد أنه جاء الوقت كي يتكلم الحكماء والعقلاء هناك حتى لا يضيع ما أنجزه الشعب بسبب مزايدات البعض وأحلام البعض الآخر بالسير في مظاهرات ومطالبات إلى الأبد، فبعد أن كان كل الشعب مع إسقاط نظام بن علي لم يعد كل الشعب مع استقالة الحكومة الانتقالية. وقد خرجت مظاهرتان أول أمس الثلاثاء الأولى تطالب باستقالة الحكومة المؤقتة والأخرى تطالب ببقائها وإعطائها فرصة للعمل. وهذا الوضع يحتاج إلى تعامل حكيم لتجنب أي صدام غير مرغوب فيه. ومن المهم أن نعرف أنه ليست هناك ثورة تدوم إلى الأبد وليست هناك مظاهرات لا نهاية لها. لكن المؤكد أن ما حدث يجب أن يلبي مطالب الشعب ويحقق الهدف الذي اندلعت من أجله المظاهرات. لقد رأينا كيف بدأ عام 2011، والسؤال: كيف سينتهي عربياً هذا العام وقد بدأ بالمفاجأة التونسية؟!