تترتب على زيادة القدرة التنافسية التصديرية الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر، آثار مهمة، والبلدان التي حققت أكبر المكاسب من حيث الحصص السوقية هي بصورة رئيسية بلدان نامية. وأصبحت تلك البلدان تنتمي بفضل ما اكتسبته مؤخراً من حصص سوقية إلى البلدان الـ20 الأكثر تصديراً في العالم. كذلك توجد 5 شركات مقارها في بلدان ذات اقتصاديات نامية تحتل مكانتها في قائمة أكبر 100 شركة في العالم. ما يعني أن ثمة تغيّرات هائلة قد بدأت تحدث في هيكل التجارة العالمية. ويمكن اعتبار ذلك من المؤشرات التي تبعث على الأمل، لاسيما وأن هناك إمكانية للتقدم في حال تم استغلال الظروف والإمكانيات استغلالاً جيداً. إن احتدام المنافسة يجبر الشركات عبر الوطنية على البحث عن سبل جديدة لزيادة كفاءتها وإمكانياتها، بما في ذلك محاولة توسيع نطاق وصولها إلى المستوى الدولي، والسعي المبكر لاكتساب موطئ قدم داخل الأسواق الجديدة، وتحويل بعض الأنشطة الإنتاجية من أجل تخفيض التكاليف. وهذا يؤدي إلى انتهاج أشكال جديدة للإنتاج الدولي على مستوى ترتيبات الملكية وإجراء ترتيبات تعاقدية جديدة. كما أن سياسة الدول الرائجة في عصرنا الحالي، من فتح الأسواق المالية، والسماح بالاستثمارات الأجنبية، تساعد الشركات على زيادة استثماراتها في الخارج. لقد أتاحت استراتيجية الشركات وتغيير النظم الإنتاجية العالمية إمكانات جديدة للبلدان النامية للانخراط في نظم الإنتاج العالمية. ويلاحظ أن الكثير من البلدان التي حققت تقدماً في الأسواق التصديرية كانت معتمدة اعتماداً كبيراً على الاستثمار المباشر. وهناك بعض الميزات النسبية التي تتمتع بها تلك البلدان تلعب دوراً في استقطاب الاستثمار الأجنبي، فمثلاً تتميّز الصين بحجم اقتصادها، أما كوستاريكا وأيرلندا فتتميّزان باتباع سياسات وطنية قائمة على نهج استباقي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي في مجال التكنولوجيا الرفيعة المستوى والارتباط بشبكات الموردين الدولية. أما هنغاريا والمكسيك وأيرلندا فتتميّز بإمكانية وصولها إلى أسواق رئيسية وبشروط تفضيلية، فمثلاً ميزة المكسيك هي إمكانية التصدير إلى الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، مما يجعل المجال كبيراً أمام الدول التي تفرض عليها الولايات المتحدة شروطاً في تجارتها مثل أن تدخل إلى السوق الأميركية عن طريق المكسيك، وهذا ما تفعله اليابان. وذلك أيضاً ما يحدث في هنغاريا وأيرلندا اللتين كانتا تتميزان بحصولهما على شروط تفضيلية في الأسواق الأوروبية ما جعلهما محط أنظار الكثير من الشركات. عملية اجتذاب أنشطة الشركات الموجهة للتصدير عملية تنافسية إلى حد كبير. والدول المتقدمة قد تجد صعوبة في إدامة قدراتها التنافسية عندما ترتفع الأجور وتتغير الأوضاع في الأسواق. وهذا ينطبق أيضاً على الدول النامية، فمثلاً استطاعت الهند، من خلال مجموعة من المميزات؛ منها الأجور المنخفضة، أن تكون مصدر جذب من الطراز الأول للشركات عبر الوطنية. لكنها فيما بعد، ونتيجة لارتفاع الأجور فيها، بدأت تتراجع لتصبح روسيا محط الأنظار وصاحبة الأجور المنخفضة قياساً إلى الهند. فالفوائد المستمدة من التجارة المرتبطة بالشركات، بدءاً بتحسين الميزان التجاري، وتحسين العمليات التصديرية وإدامتها... تساعد على زيادة الصادرات. لكن في المقابل فإن الشركات الأجنبية تستورد، وقد تكون حصيلة النقد الصافي بين التصدير والاستيراد صغيرة في بعض الحالات. وقد تكون قيمة الصادرات مرتفعة، لكن مع تدني مستويات القيمة المضافة قد تحمل العملية في طياتها مستقبلياً مخاطر ذات نتائج سلبية. لا يمكننا اعتبار المكاسب الإنمائية الناتجة، وكذلك نشاط الاستثمارات الخارجية ذاتها، مسألة قابلة للديمومة والاستقرار. ومن الخطأ أن يصبح جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هدفاً بحد ذاته، بل من الحكمة أن تسخّر الدول النامية إمكانياتها للاستفادة من تلك الاستثمارات في إطار سياسات التنمية الشاملة، وفي كثير من الأحيان تتحمل الدول النامية مسؤولية فشل الاستثمارات في تحقيق نهضة اقتصادية نتيجة غياب التخطيط والسياسات العامة. فالمسألة ليست في اجتذاب الاستثمارات بقدر ما هي كيف يمكن للبلدان النامية المضيفة أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من الأصول التي تتحكم بها الشركات؟ الأمر يعتمد على الاستراتيجيات التي تتبعها الشركات من جهة، وعلى ما يقابلها من قدرات السياسات العامة في البلد المضيف. إذ أن عدداً من المنافع المستمدة على المدى الطويل، والتي يمكن عزوها إلى الشركات الأجنبية العاملة في التصدير، قد لا تتحقق في البلد المضيف، حيث لا يتحقق الانسجام بين الشركات الأجنبية والاقتصاد المحلي، وبالتالي فشل الشركات في تنمية المزايا النسبية الدينامية للبلدان المضيفة. هناك أولويات مشتركة بين البلدان، سواء كانت غنية أم فقيرة، أهمها تحسين الصادرات وإدامتها لكي تسهم في التنمية إسهاماً كبيراً. لذلك ينبغي للبلدان النامية النظر في كيفية التحول في أي صناعة من الصناعات إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى، وهنا يكمن التحدي في كيفية الاستفادة من إمكانيات الشركات لتحقيق التنمية المستدامة. ------- سلام الربضي كاتب أردني -------- ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"