برنامج "مسار" الخاص برعاية خريجي الثانوية العامة المواطنين في القطاع الحكوميّ، الذي أعلنت "الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية" أنه سينطلق نهاية شهر يناير الجاري، يعدّ خطوة مهمّة من شأنها دعم سياسات التوطين في الدولة، فهذا البرنامج الذي يتيح للوزارات والجهات الاتحاديّة رعاية خريجي الثانوية العامة أو ما يعادلها، لدراسة بعض التخصّصات المهنية والفنية بناءً على احتياجاتها الفعلية السنوية، وتقديم منح دراسية إليهم للحصول على مؤهّلات علمية من مؤسسات التعليم العالي داخل الدولة في هذه التخصصات، يجسّد بوضوح أحد أهم الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، وهو الربط بين مخرجات التعليم ومتطلّبات سوق العمل، وبصفة خاصة متطلبات القطاع الحكومي والاتحادي. والأمر المهمّ في هذا السياق أن برنامج "مسار" يتضمّن العديد من الضوابط المهمة التي تكفل نجاحه، حيث يشترط للحصول على المنحة أن يتوافق التخصّص مع احتياجات الوزارة إلى الوظيفة، وأن يحصل الطالب على معدلات عالية في الثانويّة العامة، ويجتاز اختباراً يتم عقده له قبل الالتحاق بالجامعة، في الوقت نفسه، فإنه يفرض على الطلاب تسديد المصاريف الماليّة كافة التي قدمت إليهم خلال الدراسة في حال عدم التزامهم بمقتضيات البرنامج ومتطلّباته، وهي ضوابط تعكس الجدّية في تطبيق البرنامج والحرص على تحقيق أهدافه. برنامج "مسار" بهذا المعنى ينطوي على مردودات إيجابيّة عديدة، فهو من ناحية يشكل خطوة مهمة نحو الربط بين التشغيل والاحتياجات الفعليّة للمؤسسات الحكومية والاتحادية، فقيام الوزارات والجهات الاتحادية بتحديد المجالات والتخصصات التي تحتاج إليها من شأنه الإسهام في دفع سياسات التوطين النوعي قُدماً إلى الأمام، كما أنه، وربما هو الأهمّ، يتلافى سلبيات التعيين المباشر للمواطنين في القطاع الحكومي والاتحادي، الذي تكون نتيجته استقالة بعضهم، بدعوى أن الوظائف التي يشغلونها لا تتوافق مع تخصّصاتهم، ولا تلبي طموحاتهم المهنية. وإذا ما تم الأخذ في الاعتبار أحدث الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى أن 5117 مواطناً قدّموا استقالاتهم من وظائفهم في الوزارات والمؤسسات والهيئات الاتحاديّة والدوائر المحليّة والقطاع الخاص خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، لاتضح بجلاء أهمية هذا البرنامج الذي يستهدف الربط بين سياسات التوظيف والاحتياجات الفعليّة للمؤسسات الحكومية والاتحادية. الأمر الإيجابي الآخر، الذي ينطوي عليه برنامج "مسار"، هو تركيزه على التخصّصات المهنية والفنية، وهي تخصصات نوعية تمثل إضافة قويّة للاقتصاد الوطني، وتتواكب مع حركة التطور والنمو المتسارعة التي تشهدها الدولة في مختلف القطاعات، فتوجيه خريجي الثانويّة العامة نحو المجالات التي تحتاج إليها الجهات والهيئات الحكومية والاتحادية المختلفة، هو بمثابة استثمار للمستقبل، لأن خبرة كثير من الدول المتقدّمة تشير بوضوح إلى أنها لم تحقق القفزات التنموية الهائلة إلا بتركيزها على مثل هذه التخصّصات المهنيّة والفنيّة، واهتمامها بتأهيل العنصر البشري الذي يمتلك أدواتها، والقدرة على الإبداع والتطوير فيها. وهذا ما يسعى إليه هذا البرنامج الطّموح، الذي يستهدف إيجاد كوادر مواطنة في التخصصات المهنية والفنية تكون قادرة ليس على تلبية احتياجات سوق العمل المستقبليّة فحسب، بل خدمة خطط التنمية في الدولة، والانطلاق بها إلى آفاق أرحب وأوسع أيضاً.