لدينا في الكويت قتامة في العمل السياسي، ولم تعد الحكومة وحدها مسؤولة عن حالة التدهور العامة، بل إن المجلس التشريعي لم يعد أيضاً هو المجلس الذي كنا نتمناه، والقوى السياسية تعيش حالة تخبط بسبب طغيان المصالح وتداخلها؛ فالحالة العامة هي نتاج لتراكمات مشتركة. إذن فمطالبة بالإصلاح السياسي تشكل ضرورة في هذه المرحلة لإعادة الحيوية للمجتمع، وربما علينا أن نواجه مجموعة من الحقائق التي لا مفر من التعامل معها، ومنها التعددية الاجتماعية، وهذه الأخيرة ليست حالة كويتية فريدة، بل حالة عامة لكل المجتمعات البشرية، والتعامل معها ينبغي أن يكون وفق رؤية عقلانية، وربما هنا نستذكر بأن غياب الرؤية العامة لمسار المجتمع لم يحظ بأولوية، ومن ثم كان التخبط والعمل وفق ردة الفعل الآنية علامة للمرحلة التي نعيشها. ولعلنا نعي بأن التعددية الاجتماعية تحتاج إلى محاولات جادة لإنضاجها لكي تصبح قوة دافعة للتطور نحو الخير العام الذي يشمل كل أطياف المجتمع. السياسات العامة التي انتهجناها مسؤولة عن غياب المشترك بين المواطنين، والتحول نحو الأطر التقليدية نعتبره حالة طبيعية عندما يغيب المشترك الوطني أو ما يسمى الهوية الجامعة، لأن من يصنع السياسات يرى في تعلية المشترك إضعافاً له. وهذا ينقلنا للحقيقة الثانية، وهي أن انصهار التنوع الاجتماعي لا يشكل خطراً أو عامل إضعاف، بل يمنح قوة لصانع القرار حيث العقد الاجتماعي هو ما يحكم تاريخينا. ولعل نموذج احتلال التسعين من القرن المنصرم يجسد هذه الحقيقة. أما الحقيقة الثالثة فهي أن المجتمعات البشرية تتطور وفق قوى طبيعية للتغير هي شكل المجتمع وتركيبته من حيث بناء القوة، والذي يجب أن يُفهم وفق حقائق التاريخ. وفي الكويت لدينا حالة سيكولوجية في قبول التباين الاجتماعي؛ فالقوة التاريخية عليها أن تفهم طبيعة التحولات الاجتماعية من حيث نشوء قوى صاعدة جديدة لها حقوق وعليها واجبات مثلها مثل غيرها. وفي الحالة الكويتية هناك خوف من التغيير ومن قبول بعض الفئات الاجتماعية سواء أكانت نتاجاً لفرز طبيعي أو اصطناعي. ولعل كسر حاجز الخوف يمثل ضرورة في هذه المرحلة لإعادة صياغة الهوية الوطنية الجامعة. والقانون وتكافؤ الفرص هما المخرج السلمي لمواجهة العثرات، وليس الهروب من المواجهة لكوننا لا نملك حق الاستفراد في فرض الهيمنة لفئة على حساب المكونات الاجتماعية للمجتمع. الانقسام الاجتماعي ليس حالة فريدة عندنا بقدر ما هو حالة عامة أنتجتها الهزة النفسية للتقنية العالمية المتشكلة بثقافة العولمة التي دفعت الكثيرين للانطواء تحت راية الهويات الفرعية؛ كالطائفة والقبيلة والعائلة. ولو فهمنا الحالة النفسية الدافعة للإنسان نحو اللجوء لأطره التقليدية لتجاوزنا الشحن ضد الآخر، وفهمنا ضرورة إحياء المشروع الوطني للدولة باعتبارها القوة الجامعة والحامية لكل الفسيفساء الاجتماعية لمجتمعنا.