عندما انحنى بن علي، على غير توقع، للمظاهرات ضد نظامه، وهرب للسعودية بعد 23 عاماً قضاها في السلطة، انطلقت موجة من النشوة ليس فقط في تونس، ولكن أيضا في الغرب، الذي سارع لتسميتها بـ"ثورة التويتر"، في إشارة إلى الدور الذي لعبته الإنترنت في إشعال شرارة ذلك الانفجار الديمقراطي الذي يمكن أن ينتشر لأماكن أخرى. أما الآن، وقد هدأ الغبار، فإنه بات واضحاً أن الانتفاضة التونسية، مثلها في ذلك مثل كافة الانتفاضات، والثورات قد انطلقت بفعل ظروف محلية. فحكومة بن علي كانت تدار وكأنها مشروع عائلي مافياوي، والاقتصاد في تونس كان راكداً، والأهم من ذلك كله أن "ابن علي" فشل في أول مهمة من مهام الديكتاتور وهي تأمين ولاء القوات المسلحة. وهنا يمكن تقديم درس مفيد للثوار: شيء جيد أن يكون لديك موقع للتواصل مثل"تويتر"، ولكن الشيء الأفضل أن يكون لديك قوات مسلحة تقف لجانبك. وإذا افترضنا أن الانتفاضة التونسية سيكون لها تداعيات على دول عربية أخرى، فالأمر المؤكد أن تلك التداعيات لن تكون مباشرة أو قابلة للتنبؤ بها. فمن بين النتائج المترتبة على تلك الانتفاضة لجوء الأنظمة ربما إلى المزيد من الإجراءات القامعة، ومنها على سبيل المثال التضييق على إمكانية الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل "تويتر" وغيره. حول ذلك يقول"ستيفن إيه. كوك" الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية:"في الوقت الراهن، تسعى جماعات المعارضة في بلدان شرق أوسطية لاستخراج الدروس المستفادة من الانتفاضة التونسية، ولكن الأنظمة هي أيضاً تسعى إلى استخراج مثل تلك الدروس". السؤال الملح هنا هو: ما هو الدور الذي تلعبه أدوات التواصل الجديدة وهل باتت تلك الأدوات قادرة على تمكين الحركات الشعبية، وتعضيد إمكانياتها بطريقة لم تحدث من قبل؟ نعم.. ولكن ذلك العنصر وحده ليس كافياً لصنع ثورة. يوضح ذلك"جاريد كوهين" الذي عمل في السابق كمستشار رئيسي لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون "أجندة حرية الإنترنت"، الذي يقول:"ليس هناك شيء اسمه ثورة تويتر". ويُشار في هذا السياق إلى أن كوهين قد قام عام 2009 بالاتصال هاتفياً بمديري "تويتر" وأقنعهم بتأجيل إيقاف الموقع مؤقتاً من أجل إجراء صيانة، وذلك خوفاً من أن يفقد المتظاهرون الذين كانوا يملؤون شوارع إحدى بلدان الشرق الأوسط في ذلك الوقت، اتصالهم بالموقع. يعترف "كوهين" بأن التكنولوجيا تلعب دوراً رئيسياً في الحركات الثورية الوليدة، حيث تتيح مواقع التواصل الاجتماعي الفرصة للثوار للتواصل، وتبادل المعلومات، والتعرف على القادة المحتملين، بيد أن حسم تلك الثورات في نهاية المطاف هو نزول الجماهير للشوارع ومخاطرتها بحياتها ضد آلات القمع. وهناك بعض الباحثين المتخصصين في الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي يبدون تشككاً في قدرة تلك الأدوات على ذلك، أحدهم هو "يفجيني موروزوف"، مؤلف كتاب" الوهم الخالص"، الذي يرى أن فكرة ترويج الديمقراطية عبر الإنترنت هي مجرد وهم، ومحض هراء. هناك أسباب عديدة لذلك في رأي "موروزوف" منها أن الأنظمة السلطوية تستخدم الإنترنت هي الأخرى، وتراقب البريد الشخصي وغيره من وسائل الاتصال والتواصل بين الأفراد للتعرف على أعدائها وترسل "متسللين" من طرفها للدخول على الإنترنت، للعمل كمخبرين وكمحرضين. فعندما تخفق حركات المعارضة في تحقيق الهدف الذي تبتغيه"بمعنى أن الديكتاتور لا يسقط في نهاية المطاف"، فإن فوائد التعبئة الاجتماعية التي تتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تتحول إلى مضار حيث سيكون من السهل على الحكومات المعنية حينئذ تعقب المنشقين من خلال رصد نشاطهم على شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل، كما حدث في روسيا التي استأجرت خبيراً لإدارة برامجها على الإنترنت (كان يدير من قبل مواقع إباحية)، وكما حدث في الصين التي استأجرت عشرات الآلاف من المدونين لغمر الإنترنت بمشاعر وآراء مؤيدة لنظامها. ومثلما يحدث أيضاً في العديد من الأنظمة السلطوية في مناطق مختلفة من العالم. ويرى "موروزوف" أن المحاولات الأميركية الرامية لاستخدام الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي للترويج للديمقراطية قد تسبب أضراراً أكثر مما تحقق من فوائد. وهو يشير في هذا الصدد إلى ما قامت به وزارة الخارجية الأميركية، عندما استخدمت برنامج حاسوب بهدف تسهيل الدخول على شبكة الإنترنت ولكنها ـ الوزارة ـ أوقفت استخدامه بعدما اكتشفت ثغرات أمنية فيه كان يمكن للسلطات النفاذ منها لمعرفة الجهة التي تستخدمه. موروزوف يذهب إلى أن البرامج الأميركية التي تهدف لذلك، قد أخفقت في مجملها في تحقيق مبتغاها، وربما تكون قد ساهمت في تحريض الأنظمة على المزيد من القمع. ولكن الاستغناء عن تلك البرامج تماماً أمر غير منطقي، لأنها تتيح الفرصة للولايات المتحدة للتعبير عن آرائها، وانتقاداتها بطريقة غير مباشرة، حتى لا تتسبب في إغضاب الأنظمة الصديقة فيما لو قامت بتوصيل تلك الآراء والانتقادات بشكل مباشر. ولكن الشيء الأكثر أهمية الذي يساعد على الترويج للديمقراطية، وحقوق الإنسان، وتأجيج الانتفاضات يبقى مع ذلك بعيداً عن مجال التقنية. ففي تونس، على سبيل المثال، كانت الشرارة هي ذلك العمل الذي أقدم عليه بائع خضار عندما اضرم النار في جسمه، احتجاجاً على إهانة لحقت به، وكانت هي تلك الشجاعة التي أبداها آلاف المتظاهرين، والقرارات غير المعروفة حتى الآن التي اتخذها قادة الجيش، والتي جعلت الثورة ممكنة - وليس التويتر ولا الفيس بوك. دويل مكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة"إم.سي.تي إنترناشيونال"