يقدم تقرير جديد عن أحدث دراسة علمية أجريت مؤخراً إجابة محتملة وعلى قدر كبير من الأهمية لأحد أعقد الأسئلة التي حيرت العلماء طوال الفترة التي انتشرت فيها البقعة النفطية في مياه "ديب هورايزون" بخليج المكسيك العام الماضي. فبينما استمر تدفق النفط المتسرب من البئر المنفجرة مع غاز الميثان في مياه خليج المكسيك طوال الفترة الممتدة من شهر أبريل إلى يوليو 2011، واصل العلماء سعيهم لمعرفة السرعة التي تلتهم بها البكتيريا غاز الميثان. وكانت التقديرات العلمية الأولية أن هذه المسألة سوف تستغرق بضع سنوات. ولأن المعروف علمياً أن البكتريا تستخدم غاز الأوكسجين المذاب في مياه الخليج أثناء تناولها للطعام، فقد كانت هناك تساؤلات بين العلماء عن المدى الذي يمكن أن تخفض فيه البكتيريا البحرية نسبة الأوكسجين في مياه تلك المنطقة، بما يهدد حياة الكثير من الكائنات الحية التي تعتمد على تلك الأعماق البحرية. وحسب تقرير الدراسة الحديثة المذكورة أعلاه، فقد استغرق التهام البكتيريا لغاز الميثان في منطقة خليج المكسيك، أقل من أربعة شهور. ليس ذلك فحسب، بل توصل الفريق العلمي الذي أجرى الدراسة إلى أن مستويات الأوكسجين في مياه الخليج لم تنخفض مطلقاً إلى درجة تهدد حياة الكائنات البحرية الأخرى. "لقد كانت هذه الاستنتاجات مذهلة ومفاجئة بالنسبة لنا" على حد تعليق جون كيسلر –أستاذ الكيمياء البحرية بجامعة تكساس، وشارك زميله ديفيد فلانتاين –من جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا- في قيادة الفريق العلمي الذي أجرى الدراسة. فخلال الفترة الممتدة من نهاية شهر يوليو وبداية شهر أغسطس من العام الماضي، كان تحلل غاز الميثان في مساحات واسعة من المسطح البحري في منطقة خليج المكسيك أسرع من أي معدلات تم تسجيلها في أي مسطح مائي آخر على وجه الأرض، على حد النتائج التي أعلنت عنها الدراسة. بيد أن هناك علماء آخرين يعملون على دراسة الظاهرة نفسها، أبدوا تحفظاتهم على الاستنتاجات التي حواها التقرير النهائي للدراسة المذكورة. وتشكك هؤلاء العلماء في أن يكون تقرير الدراسة قد غالى بعض الشيء في تفسير المعلومات التي جمعها وعمل على تحليلها. ومن بين العلماء المتشككين وصفت سامانثا جوي –أستاذة البيولوجيا البحرية بجامعة جورجيا- ما توصلت إليه دراسة الفريق العلمي الذي قاده كل من "كيسلر" و"فلانتاين"، بأنه "فرضية على قدر كبير من الجرأة". يذكر أن الباحثة "جوي" قد عملت أيضاً على جمع المعلومات وإجراء القياسات المتعلقة بغاز الميثان في منطقة خليج المكسيك نفسها منذ انفجار البئر النفطية بتاريخ 20 أبريل من العام الماضي. ومن رأيها أن هناك فرضيات علمية أخرى، بوسعها تفسير ما حدث لغاز الميثان في منطقة الخليج بالسهولة ذاتها التي ذهبت إليها دراسة فريق كيسلر-فلانتاين. هذا وقد اعترف الدكتور "كيسلر" بأن النتائج التي توصل إليها فريقه لا تمثل الكلمة الأخيرة الفاصلة في هذا الأمر. واستطرد قائلاً: فمما لا شك فيه أن فصولاً جديدة من هذه القصة سوف تتكشف كلما تعمقت معرفتنا بالكيفية التي تتغير بها هذه الظاهرة، آخذين في الاعتبار بمدى وعمق تدفق الغاز. غير أن "كيسلر" لم ينف توصل الدراسة التي أجراها فريقه إلى نتائج جد منطقية وعلمية. يذكر أن فريق "كيسلر" كان قد بدأ اعتباراً من شهر يونيو المنصرم قياسات غاز الميثان وغيره من الهيدروكربونات في منطقة انفجار البئر النفطية. وفي الواحد والثلاثين موقعاً التي أجرى فيها الفريق العلمي قياساته، لاحظ الفريق السرعة التي تلتهم بها الميكروبات الغازات الأخرى مثل الإيثان والبروبين، بينما ظلت معدلات تركيز غاز الميثان عالية نسبياً. واعتماداً على هذه القياسات الأولية، التي نشرت بمجلة "العلوم" الأميركية في شهر أكتوبر من العام الماضي، قدر الفريق أن التهام البكتيريا لغاز الميثان ربما يستغرق بضع سنوات. ولكن عاد الفريق مرة أخرى إلى المواقع نفسها بين موسمي صيف وخريف العام الماضي في ثلاث رحلات بحرية بهدف تحديث قياساته ومعلوماته السابقة عن معدلات غاز الميثان. وفي هذه المرة، ألقى الفريق بشبكة واسعة تمكنت من جمع عينات كبيرة من تركيزات غازي الأوكسجين والميثان في 207 محطات موزعة على مساحة 36 ألف ميل مربع من المسطحات البحرية الواقعة غربي المنطقة التي حدث فيها انفجار البئر النفطية. ولدهشة العلماء ومفاجأتهم، فقد أشارت القراءات التي أجروها لتلك القياسات إلى أن معدلات تركيز غاز الميثان في المواقع التي تم جمع عينات الغاز فيها، لم تتجاوز مطلقاً المعدلات الطبيعية التي عرف بها تركيز الغاز في منطقة خليج المكسيك قبل انفجار البئر. وعن طريق قياسهم لمعدلات الأوكسجين المذاب في الماء واستخدامهم لتلك المعلومات باعتبارها دليلاً علمياً قاطعاً على وجود أنشطة بكتيرية، أظهرت القراءات استمرار هذه الأنشطة. وفي الوقت ذاته تمكنت أجهزة قياس أخرى استخدمها الفريق من تسجيل وجود هيدروكربونات ذات صلة بالبقعة النفطية. وعندما أجرى الفريق العلمي دراسات الحمض النووي على العينات البكتيرية التي جمعها من المواقع المائية العميقة، توصل إلى أن الكائنات الحية التي تعيش على غاز الميثان، كانت تمثل نسبة تراوحت بين 5-36 في المئة من مجموع الكائنات الميكروبية الأخرى، وهي نسبة عالية نسبياً مقارنة بمعدلات انخفاض المياه التي تحوي على غاز الميثان. وبالنظر إلى ضعف معدلات تركيز الغاز في المناطق التي أخذت منها العينات، تمكن الفريق العلمي من التقاط صور فوتوغرافية تؤكد تناقص الأنواع البكتيرية التي تعيش على الميثان نتيجة لنقص كميات الغاز المتوفر لها. وعلى ذلك الأساس صاغ الفريق استنتاجات تقريره النهائي عن الدراسة التي أجراها. ------- بيت إن سبوتس كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"