في العادة لا يموت الحكام المستبدون على أسرتهم لأنهم يفضلون البقاء جالسين حتى الرمق الأخيرة على كرسي الحكم، بل حتى التقاعد المريح يمثل مشكلة بالنسبة لهم، والقليل فقط يتوصل إلى حل عدا البقاء في السلطة، لذا جاءت انتفاضة تونس في الأسبوع الماضي والتي انتهت بسقوط نظام بن علي لتحيي الأمل مجدداً في نفوس كثير من المعارضين العرب وتقدم إجابات عن البدائل المطروحة لتقاعد الرئيس أو بقائه في الكرسي. فباستثناء لبنان الذي تشكل بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية ورحيل الاستعمار تناوبت على الحكم في معظم الأقطار العربية الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية والأنظمة العسكرية السلطوية وديكتاتورية الحزب الواحد، وأخيراً الجمهوريات الوراثية في لُبوس علماني. لكن الأنظمة المطلقة ذات المسحة العلمانية تفتقد للشرعية أو المنطق الذي يضفيه الدين على ملكيات ينحدر مؤسسوها من نسل النبي صلى الله عليه وسلم. وبالرجوع إلى بن علي نجد أنه، وعلى غرار الكثيرين مثله، شق الطريق إلى السلطة قادماً من الجيش كضابط طموح قادته مسيرته إلى مناصب أمنية واستخبارية عليا، وهي غالباً ما تكون الطريق الممهدة لوصول الحكام إلى السلطة في العالم العربي، فهو تلقى دروساً في معهد "سانت-سير" الفرنسي كما دخل مدرسة عسكرية أميركية، وعندما تبين أن بورقيبة لم يعد قادراً على إدارة البلاد لتقدمه في السن، تم ترتيب تولي بن علي الحكم . ومع أن القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لم تنخرطا مباشرة في تقليد بن علي الحكم، فإنهما سرعان ما ساندتاه لاحقاً. لكن، وعلى مدى الفترة التي قضاها بن علي في السلطة، نجح من خلال إصلاحاته، في إنتاج أفضل النظم التعليمية في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى تكريس درجة من الرخاء غير مسبوقة، وهو ما قاد إلى ظهور فئة متعلمة شعرت بالتهميش وطبقة متوسطة محبطة شهدناهما في الشوارع أثناء الانتفاضة الأخيرة وساهمتا في الإطاحة بالرئيس. كما أن عائلة بن علي مدت نفوذها إلى العديد من القطاعات الاقتصادية، مما أدى إلى المصير المأساوي للرئيس بعدما أصبحت العائلة محل نقد من قبل التونسيين. وهو أمر لا يختلف كثيراً حتى في الغرب الذي تسيطر فيه الفئات المتنفذة اقتصادياً في البنوك وغيرها على السياسية، وإن كانت عائلات الرؤساء وأزواجهم يبقون بعيداً عن الواجهة. وإلى حدود هذه اللحظة يبدو أن مساعي تشكيل حكومة وحدة وطنية في تونس تواجه صعوبات مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في الشارع لرفض الرأي العام تواجد شخصيات من نظام الرئيس السابق وعدم رضاهم أيضاً عن أقطاب المعارضة الذين كان العديد منهم يناضل من الخارج فيما الشعب يواجه القمع في الداخل. وفي مثل هذه الحالات عادة ما تقفز إلى الساحة شخصية عسكرية قوية، وإن كان الجيش في تونس نأى بنفسه عن المعترك السياسي ورفض التدخل، هذا فضلا عن النماذج القريبة من تونس، والتي لا تشجع على تكرار تجربة الحكم العسكري. لكن ماذا عن زعيم آخر يرفض التخلي عن الحكم في ساحل العاج؟ فالرئيس المنتهية ولايته، لوران جباجبو، الذي وصل إلى الحكم بمساعدة الرئيس الاشتراكي الفرنسي الأسبق، فرانسوا ميتران، يرى في نفسه، لاسيما زوجته البروتستانية المتدينة، أنه مفوض من الله لحكم البلاد، ولا يهمه أن يرفض المجتمع الدولي سرقته للسلطة، سواء الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، أو غيرهما من المنظمات والدول الأخرى، فرغم إعلان مفوضية الانتخابات فوز الحسن واترا بالرئاسة، يرفض جباجبو أن يبرح القصر الرئاسي في أبيدجان متحصناً بالجيش وأنصاره الذين يجوبون الشوارع ويروعون الخصوم. هذا في الوقت الذي يعاني "واترا" حصاراً خانقاً في أحد الفنادق فيما مروحيات الأمم المتحدة تنقل إليه الطعام. أما القوات الدولية فتبدو عاجزة عن القيام بدور إيجابي عدا التمترس أمام الفندق وحماية الرئيس واترا من هجوم محتمل. لكن كيف للأمم المتحدة أن تلعب الدور المنوط بها وتتقدم قواتها لإزاحة الرئيس المغتصب للحكم في حين أن بعض الجهات اليمينية في الولايات المتحدة لا تكف عن التقليل من شأن المؤسسة الأممية وتتهمها فيما يشبه الهذيان بنيتها فرض رموز يسارية على الولايات المتحدة وإنزالهم عنوة على البيت الأبيض. هذا بالإضافة إلى الواقع الإثني المعقد في ساحل العاج حيث تساند جباجبو كتلة إثنية متماسكة تشكل 45 في المئة من الناخبين فيما "واترا"، المسلم والمتزوج من فرنسية، يحظى بدعم أقليات متنوعة ومعها الرأي العام الدولي، وهي الورقة التي يستغلها جباجبو لتشويه سمعة خصمه باعتباره أحد أذناب القوى الاستعمارية والتدخل الإمبريالي، ناسياً هو نفسه الطريقة التي وصل بها إلى السلطة والدور الفرنسي البارز في تقلده الرئاسة. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفسز"