تضع إمارة أبوظبي الصناعة كأحد المحاور الرئيسيّة لخططها وبرامجها التنموية الاستراتيجية، انطلاقاً من الحقيقة القائلة إن الصناعة هي نواة التقدم، وهي السبيل الفعّال الذي اتبعته الدول التي أدركت أهداف التنمية الشاملة حتى الآن، كما تعي أبوظبي أن المرحلة الراهنة قد بات فيها الاهتمام بالصناعات التقليدية بمفردها أمراً غير كافٍ، وأن التقدّم الاقتصادي والتنمية الشاملة والمستدامة يتطلبان قاعدة صناعية متطوّرة تنطلق من خصوصية الاقتصاد المحلي بإمكاناته وتطلّعاته من ناحية، وتستطيع استيعاب مستحدثات التكنولوجيا المتطوّرة وتطويعها لخدمة الأهداف التنموية الوطنية من ناحية أخرى. ومن هذا المنطلق خصّصت إمارة أبوظبي نصيباً من رؤيتها الاقتصادية المستقبلية "الرؤية الاقتصادية لأبوظبي 2030" للقطاع الصناعي، وانعكس اهتمامها هذا على الجانب العمليّ في خططها التنفيذية، واحتوت مشروعاتها التنمويّة على عدد كبير من المشروعات الصناعية، وعلى رأس هذه المشروعات تطوير سبع مدن صناعية في الإمارة، على مساحة تقدّر بنحو 116 ألف كيلومتر مربع، وبتكلفة استثمارية تقدر بنحو خمسة مليارات درهم (1.4 مليار دولار). ستحتضن المدن الصناعية السبع الجاري تطويرها في أبوظبي لدى اكتمالها مجمّعات صناعية متكاملة تتوافر فيها الخدمات والمرافق والبنى التحتية كلّها اللازمة للصناعات المستوطنة فيها، وتستوفي المعايير الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن، حتى إنه يمكن أن يطلق على هذه المدن "حاضنات" خصبة للصناعات المتطوّرة. وستضم المدن المذكورة في جنباتها مختلف المرافق والخدمات التي تستلزمها الحياة اليوميّة للأفراد القائمين على شؤونها، كالخدمات المالية، ومراكز التسوق، والعيادات الطبية، والمستشفيات، والمرافق الترفيهيّة، بخلاف ذلك ستحتوي المدن على مجمعات متكاملة للخدمات الحكومية التي ستقدم الخدمات اللازمة لتسيير الأنشطة اليوميّة للصناعات القائمة فيها، كاستصدار التصاريح والتراخيص اللازمة، إلى غير ذلك من الخدمات الضروريّة لتمكين المنشآت العاملة في تلك المدن من تأدية مهامها. انتهت إمارة أبوظبي حتى الآن من إنشاء مدينتين من المدن السبع المذكورة، وهما مدينتا "إيكاد-1" و"إيكاد-2"، ونفذت نسبة كبيرة من المرافق الخاصة بعدد آخر من المدن، وقد استطاعت المدينتان المكتملتان حتى الآن اجتذاب استثمارات صناعيّة تقدّر بنحو 17 مليار درهم، بما يمثل أكثر من ثمانية أضعاف إجمالي التكلفة الاستثمارية التي تحمّلتها الإمارة لإنشاء المدينتين، البالغة نحو ملياري درهم، ويعبّر ذلك عن حجم الاستثمارات الإجمالية التي ينتظر أن تتدفق على اقتصاد الإمارة عندما يكتمل إنشاء باقي المدن الصناعية، والمتوقع أن يصل (وفقاً لهذا المعيار) إلى نحو 42.5 مليار درهم على الأقل، وستمثل هذه الاستثمارات إضافة صافية إلى التكوين الرأسمالي الصناعي للإمارة. ومن المتوقع أن تعود الاستثمارات الصناعية، التي ستجتذبها المدن السبع، على إمارة أبوظبي بالكثير من العوائد الاقتصاديّة، على رأسها زيادة حجم المكوّن الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، وتوطين عدد من التكنولوجيات المتطورة، ومن ثم تعميم استخدامها والاستفادة منها في باقي الأنشطة الاقتصاديّة القائمة في الإمارة، وما ينطوي عليه ذلك من تحسين في مستويات الإنتاجية في الاقتصاد كلّه، هذا بخلاف الزخم المتوقع أن تشهده أسواق العمل في الإمارة، لدى استقبالها للكمّ الكبير المتوقع توليده من فرص العمل لدى المؤسسات الصناعية المتوقع أن تضمّها هذه المدن. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية