في كتابه "الميزة الباهرة... صعود وسقوط الدولار ومستقبل النظام النقدي العالمي"، يقول "باري آيتشينجرين"، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، إنه لما يزيد عن نصف قرن لم يكن الدولار عملة أميركية فحسب، بل وحدة الاحتياطي العالمية التي يستخدمها الموردون، والمصدرون، والمستثمرون، والحكومات، والبنوك المركزية، والمؤسسات النقدية الدولية. هذا الاعتماد المفرط على الدولار في مختلف أركان المعمورة، يمثل معيناً لا ينضب لقوة أميركا، حتى أن أحد منتقدي السياسة الأميركية وصفه ذات يوم بأنه "ميزة أميركا الباهرة". لكن التطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة على المسرح الدولي، دعت بعض خبراء الاقتصاد والمالية إلى القول بأن الولايات المتحدة توشك أن تفقد ميزتها الباهرة تلك. وبالإضافة إلى الأزمة المالية العالمية، والركود الكبير الذي تعانيه اقتصادات العالم، فهناك أسباب أميركية دعت الخبراء للتنبؤ بقرب انتهاء تلك الميزة الباهرة، ومنها معدل البطالة الكبير، والعجوزات الفيدرالية القياسية، والعسر المالي الخانق، بالإضافة إلى صعود العملات العالمية الأخرى مثل اليورو الأوروبي، والرينمبي الصيني. ويتوقع بعض الخبراء أن يفقد الدولار مكانته كعملة احتياطي عالمي، وأن ذلك سيكون نتيجة لعاملين: تصاعد الدعوات لـ"بريتون وودز" جديدة، والزيادة الملحوظة في نفوذ عملات الدول الأخرى. ويرى هؤلاء الخبراء أن نزول الدولار من على عرشه كعملة عالمية سوف تكون له تداعيات بعيدة المدى على نفوذ أميركا وقوتها على الساحة الدولية، وعلى مستوى معيشة المواطن الأميركي. ويتعقب المؤلف رحلة صعود الدولار خلال القرن العشرين، ويبين أن "العملة الخضراء" سادت العالم في النصف الثاني من القرن، لنفس الأسباب وبنفس الطريقة التي هيمنت بها الولايات المتحدة على الساحة العالمية بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية. ويقول إن ذلك الصعود تواصل رغم التحديات التي واجهتها أميركا في بعض المفاصل التاريخية المهمة خلال نصف القرن الأخير، غير أن هذه الهيمنة بدأت في التآكل تدريجياً كأثر من آثار صعود الصين وتقدمها خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبروز الاقتصادات الآسيوية الصاعدة. ويرى المؤلف أن أميركا لم تعد تهيمن على الاقتصاد العالمي كما كانت في السابق، بيد أن ذلك لن يعني أن الدولار سوف ينهار فجأة ويتهاوى دون سابق إنذار، فالأرجح أن يحدث ذلك خلال فترة زمنية طويلة نسبياً، كما لا يعني بالضرورة أن الدولار سوف يفقد مكانته العالمية تماماً، حتى مع صعود العملات الأخرى. فتلك العملات وإن كانت قد حققت مكاسب كبيرة على حساب الدولار فإن أياً منها لم يستطع حتى الآن أن يكتسب نفس القدر من الثقة والاعتمادية التي حظي بها الدولار. فالين الياباني مثلا تراجعت مكانته في السنوات الأخيرة، كما أن صعود الرينمبي، بسبب زيادة القوة الاقتصادية والمالية للصين، لم يترافق مع تطوير في البنية التحتية للأسواق المالية الصينية التي لا تزال متخلفة بمراحل خلف نظريتيها الأميركية والأوروبية. ويناقش المؤلف الحجة القائلة بأن العالم لا يتسع سوى لعملة مهيمنة واحدة، فإما الدولار وإما أي عملة أخرى، فيقول إن هناك عملات كانت تتعايش معا، قبل انفراد الدولار بعرش الهيمنة العالمية، كالجنية الاسترليني والفرنك الفرنسي مثلاً، وأن بعضها احتل مكانة متميزة في نفس الفترة الزمنية التي كانت فيها عملة أخرى تشكل منافساً، وأن ما صحّ في الماضي قد يصح في المستقبل أيضاً. ويحذر المؤلف من أن العملة الأميركية سوف تفقد مكانتها حتماً إذا ما كررت الولايات المتحدة نفس الأخطاء التي أدت إلى الأزمة المالية الأخيرة، وأخفقت في ترتيب بيتها المالي من الداخل، وأن مصير العملة الخضراء يتوقف ليس على أفعال وسياسات الحكومة الصينية، بل على قرارات السياسة الاقتصادية والمالية المتخذة داخل الولايات المتحدة نفسها. وما يمكن قوله أخيراً إن المؤلف نجح في تقديم تحليل مقنع للتغيرات المستقبلية، كما قدم رداً على من يرون أن الهيمنة العالمية للعملة الأميركية محكوم عليها بالزوال قريباً. سعيد كامل الكتاب: الميزة الباهرة... صعود وسقوط الدولار ومستقبل النظام النقدي العالمي المؤلف: باري آيتشينجرين الناشر: أكسفورد يونيفرسيتي برس تاريخ النشر: 2011