وقف الجنرال الحديدي وقد كبُر عشرين عاماً ونقص وزنه في ثلاثة أيام عشرة كيلوغرامات! قال متهدج الصوت وملوحاً بيديه: الآن فهمتكم أيها... الآن! ثم وعدهم قائلا: لا تمديد للرئاسة بعد اليوم. وفي اليوم الثاني كان الجنرال يبحث عن أرض تستقبله، فلا ينال ذلك حتى من أقرب الحلفاء والأصدقاء، وقد كان جليسه في الحفلات والمسامرات والمؤامرات... بل بادر الحليف نفسه لترتيب ملف خاص للجنرال، وقال إن أفراد عائلته غير مرحب به على أراضيه! إن التاريخ يروي لنا قصصاً كثيرة عن نهاية الطغاة، فلنطالع بعضها: في 25 فبراير 1956 استهل خروتشوف خطابه بهذه الفقرة: "من غير الجائز ومن الغريب على روح الماركسية اللينينية أن يُرفع شخص واحد ويتم تحويله إلى سوبرمان يملك صفات غير طبيعية مماثلة لصفات إله يعرف كل شيء، ويرى كل شيء، ويستطيع صنع كل شيء، ويفكر عن الجميع، ويكون معصوماً في سلوكه". وكان ستالين صاحب الشوارب يجمع في شخصه: "إنه أعظم اقتصادي، وأعظم مؤرخ، وقائد الإنسانية العبقري، والقائد العسكري الأعظم، وقائد الطبقة العمالية في كل مكان، وقائد الإنسانية التقدمي، والزعيم المعصوم، وأكبر عبقرية عرفتها البشرية". لكنه كان يرسل إلى معسكرات الاعتقال سبعة ملايين شخص ويقتل نصف مليون. وقد قام بطباعة 600 كتاب عن قدسيته بين عامي 1946 و1952، ما جعل المؤرخ الماركسي "ميديفيف" يقول إن ستالين "عمل على خلق دين اشتراكي، أما إله ذلك الدين الجديد، الكلي القدرة الكلي المعرفة الكلي القداسة، فكان ستالين نفسه". أما ماوتسي تونغ فقد حلت صوره محل صور الآلهة القديمة، بل إن شعارات في بكين كانت تقول: "في السابق عبدنا كوان لينج الذي قيل إنه كلي القدرة، لكن أين قدرته الآن؟ من يجب أن نعبد؟ يجب أن نعبد الرئيس ماو؟". بل اعتبر بعض الشعراء أنه لو كانت أشجار الأرض أقلاماً، وبحارها مداداً، لعجزت عن كتابة آيات حسنه وكماله: "من الممكن استنزاف جميع كلمات المدح في العالم، وكل هذه الكلمات لا تستطيع التعبير عن حكمتك وعظمتك، يمكن استنزاف جميع أناشيد العالم، لكن هذه الأناشيد ليس بإمكانها التعبير عن صفاتك ومنجزاتك الكبيرة". وفي بعض البلاد العربية وجدت أيضاً أعراض عبادة الزعيم، وأقلها صور شاهقة بألوان فاقعة يُنفق عليها حتى آخر قرش في جيب مواطن مفلس، تطل على الناس في الميادين، وتجسد ثالوثاً جديداً من مركب الأقانيم الذي تورط فيه الفكر الكنسي بدون نص واحد من الإنجيل، بينما جاء الإسلام لسحب كل مظاهر الألوهية من البشر وإعادتهم إلى خانة الكائنات الفانية التي لا يحظى أحد منها بالخلود والأبدية: "وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ". ومنه حرّم الإسلام الأصنام وما أهلّ لغير الله به من التعظيم والشعارات، لكن كما يقول الفيلسوف إقبال: "تبدل في كل حال مناة... شاب بنو الدهر وهي فتاة". وهكذا نفخت الحياة في مفاصل اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ليدخل العرب عصر الوثنية السياسية، ويطلّقون التوحيد ثلاثاً. يذكر الكاتب والصحفي الألماني "بيتر شول لاتور"، أنه زار بلداً مشرقياً بينما كانت تُقتَلُ في إحدى مدنه ثلاثين ألفاً من الأنام بأسلحة الجيش والأمن، وفي الساحة العامة للمدينة طالعته صورة الرئيس بحجم هائل وهي تطل من علٍ، قال: أدركت يومها لماذا كره الإسلام هذه الصور.