تداعيات انسحاب "باراك" من الحكومة... ونتنياهو يتخوف من "ثورة" تونس انسحاب "باراك" من حزب "العمل"، وموقف نتنياهو المتخوف من ثورة تونس، ومحاولات إعادة بناء "اليسار" في إسرائيل، والدفاع عن أفيجدور ليبرمان... قضايا نعرض لها في قراءة سريعة للصحافة الإسرائيلية. انسحاب وفرصة تناولت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم أمس الثلاثاء الحدث الرئيس في الساحة السياسية الإسرائيلية والمتمثل في انسحاب وزير الدفاع، إيهود باراك، من حزب العمل وتشكيله لكتلة سياسية خاصة به، معتبرة أن ما يجري من انقسام داخل الحزب كان متوقعاً بالنظر إلى الطريق المسدود، الذي وصلته عملية السلام والتباين الكبير في المواقف بين "اليسار" والائتلاف "اليميني" الحاكم، هذا بالإضافة إلى حرص إيهود باراك على منصبه الوزاري واستباقه لتمرد كان يهيأ له داخل حزب "العمل" ويهدد بالإطاحة به. وبانسحابه من كتلة الحزب البرلمانية ومعه أربعة من نواب حزب "العمل" الذين فضلوا الاستقالة من الحزب يكون إيهود باراك، حسب الصحيفة، قد التف على محاولات خصومه للتمرد عليه. ورغم النجاح التكتيكي الذي أحرزه وزير الدفاع بخطوته تلك تعتقد الصحيفة أن مفعولها مؤقت لا تستطيع معالجة المشكلة الحقيقية والمتمثلة برأيها في استمرار حكومة "يمينية" على رأس الدولة ومعارضتها لأي تسوية في إطار عملية السلام، ولا يعنيها سوى الدخول في صراعات دبلوماسية مع العالم لتبرير سياسات لا يمكن الدفاع عنها، فإيهود باراك الذي دخل الحكومة الائتلافية ارتضى لنفسه أن يكون شريكاً ثانوياً في التحالف "اليميني" وأن يقتصر دوره على تلميع صورة الحكومة أمام الرأي العام الدولي، دون أن يكون له أدنى تأثير عليها، بيد أن انقسام حزب "العمل" ومغادرة ثمانية نواب كانوا محسوبين على الحكومة الائتلافية بعد رفضهم خطوة "باراك" تتيح فرصة جديدة لـ"اليسار" الإسرائيلي للالتفاف حول القضايا الأساسية مثل العدالة الاجتماعية ودفع عملية السلام وإنقاذ الديمقراطية، هذه الكتلة "اليسارية" ستكون وفقاً للصحيفة البديل عن أيديولوجية الكراهية التي يروجها المعسكر "اليميني" في الحكومة. تونس والموقف الإسرائيلي لم يغب عن الصحافة الإسرائيلية متابعة التطورات الأخيرة في تونس من خلال افتتاحية "هآرتس" ليوم الإثنين الماضي، حيث اعتبرت أن ما حصل في تونس من انتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس بن علي تعكس تطلعات الشعوب في الشرق الأوسط التواقة إلى الديمقراطية والحريات، وهي انتفاضة فردية تقول الصحيفة إنها لم تأت من الخارج ولا من النخبة العسكرية كما جرت العادة في دول المنطقة، لذا ينظر إليها العديد من القادة بعين متوجسة لأنها استطاعت في زمن قصير هدم نظام هش قائم على القمع بدل احترام حقوق المواطنين، لكن الصحيفة أيضاً تحذر التونسيين من مغبة ضياع ثورتهم كما حدث في السابق لثورات مشابهة مثل الثورة الإيرانية للعام 1979 التي أفضت إلى نظام ديني، أو انتفاضة الأرز اللبنانية التي وإن كانت قد نجحت في إخراج الجيش السوري من لبنان في 2005 إلا أنها فشلت في التأسيس لثقافة سياسية تتعالى عن النظرة الطائفية الضيقة والمصالح الفئوية المرتهنة للتوازنات الإقليمية، غير أن الصحيفة وهي تشيد بما حدث في تونس تنتقد موقف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي رأى في الثورة التونسية دليلاً على عدم استقرار المنطقة، فهو من خلال موقفه ذلك يؤكد تمسكه بالوضع القائم في دول المنطقة ومعاكسته لتطلعات الشعوب. وبدلًا من انتقاد "ثورة الياسمين" التونسية كما أصبحت تسمى، تمنت الصحيفة لو أن نتنياهو انحاز إلى الشعب التونسي وأقنعه كما باقي الشعوب العربية أن إسرائيل جديرة بثقتهم لأنها تنوي إزالة الاحتلال والمستوطنات تماماً كما فعلت فرنسا مع الجزائر وتونس. إعادة بناء "حزب العمل" في مقاله على صفحات"جيروزاليم بوست" يوم أمس الثلاثاء يدعو "ديفيد نيومان"، عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة بن جوريون الإسرائيلية إلى إعادة تشكيل حزب العمل على أسس جديدة وبقيادة مختلفة على ضوء انسحاب رئيسه، إيهود باراك، وقرار وزيريه البارزين في الحكومة "اليمنية"، "إسحاق هيرزوج" و"أفيشاي بافيرمان" تقديم استقالتهما إلى رئيس الوزراء والرجوع لاستكمال مهامهما النضالية في صفوف حزب "العمل"، متسائلًا عن سبب تأخير هذه الخطوة حتى هذه اللحظة، لا سيما وأنها حسب الكاتب كان يمكنها إنقاذ ما تبقى من حزب "العمل" وإعادة التأكيد على قيمه "اليسارية"، فقد وافق الوزيران، وهما قياديان بارزان في حزب "العمل"، الانضمام إلى حكومة نتنياهو بعد إلحاح من "باراك" الذي رأى أنه من الأفضل للحزب أن يمارس تأثيراً وإنْ كان ضئيلًا من داخل السلطة على أن يجلس على دكة المعارضة دون أن أدنى تأثير، وهو المنطق الذي تبين اليوم خطأه بعد المأزق الذي وصلت إليه عملية السلام والجنوح الخطير للمجتمع الإسرائيلي نحو "اليمين". وفي هذا الصدد يعلق الكاتب آمالًا عريضة على الوزيرين المستقيلين باعتبارهما من أبرز مناضلي الحزب الذين يمتلكون تاريخاً عريقاً في صفوفه واستطاعوا حشد مناصرين قد يجعل من أحدهما رئيساً للحزب في المستقل، لكن الكاتب يحذر من عادة إسرائيلية أساءت إلى الأحزاب الإسرائيلية ومنها حزب "العمل" حيث تُعطى الأفضلية إلى العسكريين السابقين لتولي مواقع قيادية في الأحزاب والدولة، وهي العادة التي يدعو الكاتب إلى القطع معها لأن ما تحتاجه الحياة الساسية الإسرائيلية عامة، وحزب "العمل" خاصة لاسترجاع بعض ألقه البائد، هو بروز قيادات مدنية تكون واعية بالتحولات التي شهدها المجتمع الإسرائيلي على مدى العقود الأخيرة، فلم تعد النخبة السياسية محصورة في الأشكيناز الليبراليين، بل توسعت لتشمل المهاجرين الروس واليهود الشرقيين المتدينين بتوجهاتهم اليمينية ما يستدعي انفتاحاً أكبر لحزب العمل على مكونات الشعب الإسرائيلي والتواصل معها. إسرائيل وليبرمان يدافع الكاتب والمعلق الإسرائيلي "يؤاز هنديل" في مقاله المنشور يوم أمس الثلاثاء بصفحات "يديعوت أحرنوت" عن وزير الخارجية المثير للجدل "أفيجدور ليبرمان" ليس لأنه يوافق على أسلوبه الفض أحياناً والمبالغ في شعبويته واستفزازه للآخرين، بل لأنه السياسي الوحيد في إسرائيل، يقول الكاتب، الذي يتجرأ على قول الحقيقة ويسمي الأشياء بمسمياتها، فرغم ما يفترض في الدبلوماسي من كياسة في اختيار مفرداته وامتهان الكذب حتى أمام ألد الخصوم، شذ "ليبرمان" عن هذه القاعدة من خلال طلعاته الإعلامية التي أدلى فيها بتصريحات، وإنْ كانت مناقضة للأعراف الدبلوماسية، إلا أنها لا تجافي الحقيقة، وهنا يشير الكاتب على سبيل المثال إلى خطاب "ليبرمان" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترف فيها بما يعرفه الجميع دون أن يجرؤ أحد على التلفظ به من أن السلام مع الفلسطينيين لن يسود في المنطقة لسنوات عديدة مقبلة، وهو الأمر الذي يعرفه الجميع حسب الكاتب بمن فيهم رئيس الوزراء وباقي الأطراف الحالية ما دامت الظروف لم تنضج بعد لا في إسرائيل ولا خارجها لتحقيق سلام شامل، هذا بالإضافة إلى موقف "ليبرمان" الواضح تجاه تركيا فهو على مدار الشهور الأخيرة وجه إليها انتقادات، ولم يتحرج عن إعلان مخاوف إسرائيل من نزوع تركي نحو الشرق الإسلامي على حساب الغرب والدولة العبرية، وهو ما جر عليه هجوماً شديداً من قوى "اليسار" الإسرائيلي. إعداد: زهير الكساب