عندما كنتُ أسافرُ عبر العالم قصد تمثيل الولايات المتحدة خلال إدارة بوش الابن، كنت أواجَه في أحيان كثيرة بأشخاص يريدون إلقاء اللوم على سياسة أميركا الخارجية وتحميلها مسؤولية هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. فكانوا يقولون لنا مثلًا إن الدعم الأميركي لإسرائيل، إلى جانب معاناة الشعب الفلسطيني، ولَّدا الاستياء والغضب اللذين أفضيا إلى الهجمات التي استهدفت بلدنا. وكنت أرد على هذا الكلام: كلا، لا يمكنكم أن تعللوا مقتل أشخاص أبرياء بأي تظلم، مهما كان مشروعاً. إن المنظمة الوحيدة والأشخاص الوحيدين المسؤولين عن الحادي عشر من سبتمبر هم "القاعدة" والخاطفون التسعة عشر الذين نفذوا تلك العملية الدموية. وقد تذكرت هذه الحجة بينما كنت أستمع إلى محاولات تسعى إلى تحميل فحوى النقاش السياسي الأميركي مسؤوليةَ الأعمال القاتلة المفترضة التي قام بها شاب مختل في توسون. كلا، لا يمكنكم إلقاء اللوم على أصوات السياسيين والمراقبين الصاخبة -من اليمين ومن اليسار- وتحميلها مسؤولية العنف الذي وقع. ومثلما ذكَّرنا أوباما على نحو حكيم في الخطاب الذي ألقاه مساء الأربعاء، فإن الأوقات الحزينة يمكن أن تتحول إلى أوقات تأمل وطني. والحق أن أميركا في حاجة إلى وقفة تأمل وتفكير! وخلافاً لروح الوحدة والتلاحم التي ظهرت على الأميركيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن رد الفعل على المأساة التي كانت توسون مسرحاً لها يبدو أنه لم يزد الهوة التي يعانيها بلدنا المنقسم إلا اتساعاً. ذلك أننا لم نتحد ولم نتلاحم لتقديم الدعم للضحايا والتنديد بهذا الهجوم على أساس ما يخوله نظامنا السياسي: حق المواطنين في التجمع ومساءلة مسؤوليهم المنتخَبين. وبدلًا من ذلك، تحول حوارنا الوطني إلى تبادل للاتهامات حول مَن يمكن أن يكون مسؤولاً، إلى جانب القاتل الفعلي، وهو المسؤول المباشر عما حدث في توسون. والحق أنني قلقة جدّاً بشأن الغضب واللاتسامح اللذين يطغيان على حياتنا السياسية وعدم احترام وجهات النظر المختلفة، لأن ذلك لا يحدث فقط بين اليسار واليمين، "الجمهوريين" و"الديمقراطيين"، وإنما بين أعضاء من حزبي نفسه. وقد وقفتُ شخصيّاً على هذا الانقسام مؤخراً في ولاية تكساس عندما ترشح النائب "جو ستراوس" لإعادة الانتخاب كرئيس لمجلس نواب الولاية. وقد كان ستراوس، الذي سبق أن عملتُ معه كمستشارة، "جمهوريّاً" طول حياته، وسبق له أن عمل في إدارتي ريجان وبوش الأب. غير أنه في موسم الانتخابات الأخير تعرض لهجمات شرسة من قبل مجموعة من النشطاء السياسيين الذين شككوا وطعنوا في مؤهلاته المحافظة. وفي إشارة مهينة بشكل خاص إلى ديانته اليهودية، ألمح بعض المنتقدين إلى أن ستراوس يفتقر إلى "القيم المسيحية". والواقع أن الأغلبية الساحقة من زملائه "الجمهوريين" في مجلس النواب دعموه وساندوه ووقفوا إلى جانبه، غير أنهم تعرضوا للتحرش وتلقوا تهديدات بالانتقام السياسي. وهنا يجوز لنا أن نتساءل: متى كان الانتقام قيمةً مسيحيةً؟ بيد أن ستراوس لم يرد على منتقديه الذين ضلوا الطريق بعبارات ومشاعر منتقدة مماثلة، وإنما دعا إلى قدر أكبر من التحضر واللباقة في الحياة السياسية حيث قال: "إن الانقسام والتهديدات بالانتقام والهجمات على معتقدات الناس الدينية وتحريف سجلات الناس كلها أشياء لا مكان لها في هذا المجلس"، وهي كلمات نال عليها تصفيقاً حارّاً من قبل زملائه بعد أن أعيد انتخابه بـ132 صوتاً مقابل 15. إنني مناضلة "جمهورية" ولديّ شعور قوي بشأن مبادئي المحافظة؛ غير أن ذلك لا يعني أنني لا يمكنني أن أستمع إلى وجهة نظر أخرى أو أشيد بمن يستحق الإشادة، حتى وإن تعلق الأمر بزعيم سياسي لا أتفق معه إلى حد كبير. والحقيقة أن الخطاب الذي ألقاه أوباما في توسون كان خطاباً صعباً بالنظر إلى مشاعر الضغينة والحقد السائدة في البلاد؛ غير أن كلماته سمت فوق قبح وبشاعة اللحظة وسعت إلى أن تعالج وتداوي الجراح. وإذا كان لا يمكن إلقاء اللوم على الكلمات وتحميلها مسؤولية الأعمال العنيفة التي حدثت، فإن الكلمات تبقى مع ذلك قوية ومؤثرة. والدين يخبرنا بأننا سنحاسَب على كل كلمة متهورة، لأن كلماتنا يمكن أن ترفع ويمكن أن تهدم؛ يمكن أن تجمعنا وتوحدنا ويمكن أن تمزقنا وتقسمنا. إن نقاشاتنا السياسية يمكن، وينبغي أن تكون مفعمة بالحيوية؛ ولكن كلماتنا ينبغي أيضاً أن تسعى إلى الإقناع، وليس إلى الضرب والاستهداف. لقد فعل أوباما ما يفترض بالرؤساء أن يفعلوه في أوقات الصدمة الوطنية: إذ دعانا إلى الوحدة والنقاش الرصين القائم على الاحترام، والكرة الآن في ملعبنا نحن الأميركيين! ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"