يطرح مشكل استقرار المسلمين بشكل دائم في المجتمع الأوروبي تساؤلات غير منتهية وحوارات عميقة عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوروبية، وفي الأشهر الأخيرة أثير جدل كبير حول هذه الثنائية وحمل لواءها العديد من الأحزاب اليمينية المتشددة في أوروبا. وقد كشف استطلاع للرأي أنجزه معهد "إيفوب" IFOP في ديسمبر2010 في كل من فرنسا وألمانيا، وتفردت جريدة لوموند الفرنسية بنشره، أن 42 في المئة من الفرنسيين و40 في المئة من الألمان يعتبرون وجود جالية مسلمة في أوطانهم بمثابة تهديد حقيقي لهوية البلدين، في حين اعتبر68 في المئة من الفرنسيين و75 في المئة من الألمان أن المسلمين غير مندمجين بما فيه الكفاية في المجتمعين. وحسب استطلاع الرأي نفسه، أرجع المستجوبون ذلك إلى الاختلافات الثقافية المختلفة وإلى القيم قبل الأسباب الأخرى المرتبطة بالغيتوهات أو الصعوبات الاقتصادية؛ وحتى مع وجود اختلافات بين المستجوبين الشباب والمسنين، والناخبين من اليمين ونظرائهم من اليسار، فإن نسبة كبيرة منهم تربط بين الإسلام ورفض القيم الغربية، ونلمس ذلك جليّاً في نظرتهم لقضية الحجاب وبناء المساجد، حيث إن أكثر من 59 في المئة من المستجوبين الفرنسيين يعارضون ارتداء المسلمات للحجاب في الشارع و32 في المئة فقط يعتبرون ذلك أمراً لا يعنيهم، كما أن 39 في المئة من الفرنسيين يبدون معارضتهم لبناء المساجد مقابل 22 في المئة في سنة 2001 . وموازاة مع هذا الاستطلاع، أنجزت جامعة "مونستر" في نفس الفترة، دراسة داخل خمس دول أوروبية: ألمانيا وفرنسا وهولندا والبرتغال والدانمرك، خلصت إلى أن الألمان لديهم موقف جد سلبي من المسلمين، وأن أكثر من نصف الألمان يربطون بين الإسلام والتمييز ضد النساء والأصولية وعدم التسامح. ترى، ماذا وقع بالضبط لتزداد نسبة معاداة الإسلام في ألمانيا بشكل كبير؟ ولماذا يعتبر الأوروبيون الإسلام تهديداً أكثر من أي وقت مضى؟ في مقال أخير للفيلسوف الكبير يورغن هابرماس، الذي يمثل بحق الإنتلجنسيا الأوروبية الحالية النقدية التي ما زالت ترفع أصبع الاتهام ضد الشر والبؤس، نشرته له جريدة "نيويورك تايمز"، حاول إعطاء جواب مقنع لهذه التساؤلات بعيداً عن القراءات السطحية والمغرضة التي تصدر في بعض الأحيان عن مفكرين أوروبيين ذوي قناعات حزبية وسياسية تؤثر في الأخير على فهم الأمور بل وعلى مجرى الأحداث، لأن السياسيين غالباً ما يعتمدون على تحاليلهم ودراساتهم لتكون لهم عوناً ونصيراً في تعليل سياساتهم المتعلقة بالأجانب. وقد أشار الفيلسوف الألماني إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي جعل الجسم المجتمعي الألماني مريضاً بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يغذي في عقول الألمان مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، وهذه الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب كلما دعت الضرورة إلى ذلك من قبيل ما وقع في تسعينيات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد، مما أثار زوبعة من الاحتجاجات السياسية؛ ولكن خلافاً لما وقع في تلك الفترة، فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية، وهو كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة "يهودية - مسيحية"، ويتساءل الفيلسوف الألماني عن نسيان السياسيين الجدد لما وقع لليهود في ألمانيا! الحال أنه لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية التي تتجاوز حدود ألمانيا لتشمل جل الدول الأوروبية، ولكن الذي بدأ يقع في ألمانيا هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي اتخاذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسوية وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة. ففي أوج انتخاب البرلمان للرئيس الفيدرالي الصيف الماضي، كاد "جواثيم كوغ" وهو من أشد المدافعين عن الحقوق المدنية في المجتمع الألماني ولكن دون تجربة سياسية، يفوز على "كريستيان وول" الذي أكد أكثر من مرة أن الإسلام جزء من ألمانيا، وهو التصريح الذي خلق جدلًا داخل اليمين الألماني؛ والمهم في هذه الانتخابات هو حصول "جواثيم كوغ" على قاعدة شعبية كبيرة، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الأرستقراطي كارل ثيودور كوتنبرغ وزير الدفاع الحالي، فهو دون تجربة سياسية ولكنه مشبع هو وفريقه بعداء واضح للأجانب قولاً وعملاً؛ وقد وجد جواثيم كوغ وكارل ثيودور كوتنبرغ وغيرهما في الكتاب الذي ألفه تيلو سارازان "ألمانيا تتجه نحو انهيارها" مرجعاً فكريّاً لا محيد عنه. وهذا الكتاب أتى بوصف لألمانيا على أنها مهددة بالانهيار بسبب القوة التي بلغها المسلمون الفقراء والأقل ذكاء، وأن ألمانيا أضحت "دولة حمقاء" بسبب المهاجرين المسلمين. وانطلاقا من أبحاث قام بها تيلو سارازان عن الذكاء، ندد الكاتب بالمسلمين بزعم كونهم "ناقصي عقل وحكمة" مستنداً إلى خلاصات بيولوجية خاطئة وعنصرية، ولكن مع ذلك لقيت ترحيباً شعبيّاً لا نظير له، ومع ذلك وحسب استطلاع للرأي فإن أكثر من ثلث الألمان يوافق على نظرية سارازان. إن معاداة الإسلام في ألمانيا وفي جل الدول الأوروبية مرده اليوم إلى الخطابات السياسية الحالية التي تعتمد على مرجعيات فكرية هي أيضاً سياسوية على شاكلة ما ألفه تيلو سارازان، وهو للتذكير عضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، والأدهى من ذلك أن حكاماً جدداً دون تجربة سياسية، وفي حاجة إلى تأييد شعبي، وجدوا في معاداة الإسلام والمسلمين تجارة رابحة ومخزوناً انتخابيّاً لا ينفد.