نحن أمة تقرأ، لسنا كما يشاع، وكما يلح البعض على وصمنا بالجهل والسلبية، ونحن أمة تحاول الصمود في وجه تيار عاتٍ، وريح صرصر، تسعي لاقتلاع جذورنا وسلب كل ما يجعلنا نفخر. لغة الذل التي اعتاد الغرب على تلقيننا إياها، جعلتنا نصدق ونرفع راياتنا البيضاء استسلاماً لكل شيء وأي شيء. فالتربية الحديثة اليوم تنادي بزرع الثقة في الطفل والتخلي عن لغة "أنت فاشل" أو "غير قادر على النجاح"، وتنسحب هذه التربية وأساليبها حتى على الكبير. تكريس هذه اللغة هو ما يريدونه من أجل إحداث تحطيم معنوي متواصل، والنتيجة تصديق مطلق بأننا أبعد ما نكون عن حق بسيط هو الاعتزاز بكوننا بشراً. ولولا هذه الثروات التي تنام بين جنبات راحتينا لما كنا هدفاً للمطامع التي تنهش كل يوم المزيد من خيراتنا لنعود للتاريخ ذات يوم خالي الوفاض، وبلا أمل سوى مزيد من الانكسار. ما حدث في تونس ليس حالة استثنائية، ولم يكن الوضع قبل ذلك إنسانياً، فالانفجار كان حدثاً متوقعاً لولا الوقت الذي أمهل الطرفين، لكن أحداً لم يكن ليقرأ التاريخ، ويعرف أن ساعة الطاغية مهما طالت فإن نهايته تسرع في لمح البصر. لا يهم من سيأتي بعده، المهم أن للشعب كلمته ليس في الغرب ولا في أميركا اللاتينية ولا أوروبا الشرقية، بل لدينا نحن أمة العرب، التي طالما وصمت باللامبالاة وكتُب عنها ما كتُب. كلمة الشعب هي ما يثلج الصدر، وهي التي ستكون فرصة الحياة الكريمة دون إذلال بعض الساسة الذين لا يرون أبعد من مصالحهم. والأعجب أن يكون المتسلطون مهووسين بالمال في الوقت الذي يجوع فيه شعبهم، وحين يأتي التغيير، فلا المال ولا السلطة بإمكانهما إنقاذ كائن ما يكون. هل المتسلط غير ذكي، أزعم أن الذكاء لا يتأتى إلا لأصحاب العدالة، لأنها الميزان الأصيل في لعبة السياسة، وهي الباب المورق بالزهور والقصائد في كتاب التاريخ، فكم هو جميل أن نقرأ سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره ورائحة الطيب تفوح من قصص العدل التي تروى عنه. وكم هي كريهة رائحة الظلم التي تأتي دوماً بالدعوات بسوء الخاتمة لكل من تسوِّل له نفسه ظلم غيره من البشر. علينا جميعاً أن نروج لفكر جديد يعزز من ثقة الأمة العربية بذاتها ويعيد الحياة لأوصال قطعتها سياسة التسلط. لغة التفاؤل هي لغتنا، فنحن جديرون بالحياة التشريعية مهما كانت الظروف مجحفة وقاسية. فالوقت كفيل بنصر مؤزر قادم لا محالة.