برامج الإرشاد المهني التي تعتزم هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية "تنمية" التوجّه بها إلى طلبة المدارس خلال العام الجاري، تعدّ خطوة مهمة نحو تعريف الطلاب بمتطلّبات سوق العمل، ومساعدتهم على تحديد التخصصات التي تناسب إمكاناتهم، بما يتيح لهم الانخراط بسهولة في سوق العمل عقب تخرّجهم، خاصة في مؤسسات القطاع الخاص الأكثر اهتماماً بهذه التخصصات. إن مثل هذه البرامج باتت ضرورة مهمة، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن كثيراً من المواطنين الذين يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل تناسب قدراتهم يرجِعون ذلك إلى غياب التوجيه المهني لهم في فترة الدراسة، وهو الأمر الذي أدّى إلى عدم وجود تصورات واضحة أمامهم بشأن كثير من المهن التي كان يمكنهم الانضمام إليها لو أتيحت لهم برامج توجيه مناسبة. الحرص على توعية الطلاب في المدارس بأهمية التخصّصات المهنية والفنية، وإقناعهم بالالتحاق بها لا ينفصل بأيّ حال عن الاهتمام الذي توليه الدولة لها، وبصفة خاصة الجهات المعنية بتطبيق سياسة التوطين، من منطلق أن التعليم المهني والفني أصبح المدخل الحقيقي لرفع قدرات الأفراد التنافسيّة في سوق العمل. ولا شك أن اقتناع الطلاب بالانضمام إلى التخصصات المهنية والفنية التي تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم، سيخدم سياسة التوطين التي تعدّ من أهم الأهداف المركزية في أولويات الحكومة، وهذا يفسر اهتمام الجهات المعنية بالتوطين بالتعليم المهني والفني، فمثلاً البرامج التدريبيّة التي يتيحها "مجلس أبوظبي للتوطين" تستهدف تدريب المواطنين، وتزويدهم بالمهارات المطلوبة للعمل في المستقبل، والإسهام في زيادة القدرة على المنافسة في السوق الاقتصاديّة العالميّة. ومن البرامج التي يقدمها المجلس في هذا الخصوص "برنامج التأهيل للعمل"، و"برنامج إبداع"، و"برنامج توطين". إن تجارب الدول المتقدّمة في مجال التنمية تشير إلى أن التعليم المهني والفني يشكل إحدى أهم الركائز الأساسيّة وراء نهضتها، وسر نجاحها، ففي ألمانيا مثلاً، يعدّ التعليم المهني أحد الأسباب الرئيسيّة التي قادت إلى نهوضها من أنقاض الحرب العالمية الثانية، وهناك العديد من النماذج الأخرى التي خصّصت كثيراً من مواردها المالية للاستثمار في هذه النوعية من التعليم، وبدأت تجني ثمار ذلك مؤخراً بأن أصبحت من ضمن الدول الصناعية المتقدّمة، وهذا ما يدركه القائمون على التخطيط للتعليم في الدولة، حيث يسعون إلى ضرورة أن تواكب مسيرة التعليم المهني والفني الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة في مختلف المجالات، وهناك بالفعل العديد من المؤسسات والمعاهد التعليمية المتخصّصة في هذا الشأن، مثل "مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني"، الذي يستهدف إعداد الطاقات البشرية المدرّبة من الفنيين المتخصصين وفقاً لمتطلبات سوق العمل. الأمر المهم في هذا الشأن أن هذه المعاهد والمؤسسات تعتمد على إقامة شراكة مع شركات القطاع الخاص ومؤسسات الأعمال في الدّولة أيضاً، وذلك لتهيئة الطلاب المنتسبين إليها لمرحلة ما بعد الدراسة، بالشكل الذي يجعلهم على أتمّ الاستعداد للالتحاق بسوق العمل. وعلاوة على ما سبق، فإن هناك خططاً لإنشاء مراكز متقدّمة للتدريب المهني وتوفيرها، بالتعاون مع بعض المؤسسات المتخصّصة في الدول الصناعية، لتأهيل جيل من الشباب المواطن على درجة عالية من الكفاءة المهنيّة، قادر على المنافسة في سوق العمل، ومواكبة حركة النمو والتطوّر في مختلف القطاعات. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.