انهارت حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية يوم الأربعاء إثر استقالات جماعية قدمها وزراء المعارضة العشرة، بالإضافة إلى وزير من المستقلين. المعارضة ممثلة بـ"حزب الله"، أبلغت الرئيس سليمان أن لا عودة للحريري إلى رئاسة الحكومة بأي شكل من الأشكال، كونه غير مؤهل لتحمل المسؤولية حسبما أثبتت التجربة، وطالبت بالدعوة إلى الاستشارات الملزمة، سواء أعاد الحريري إلى بيروت أم لم يعد، كون رئيس الجمهورية معنياً بالاستقرار وتفعيل المؤسسات. المعارضة لديها ثلاث لاءات تحاول عدم التراجع عنها وهي: لن تكون المرحلة المقبلة استمراراً للحقبة السابقة، لن يعود الحريري إلى رئاسة الحكومة، لن تكون في الأفق محكمة جديدة بعد اليوم. مصادر قوى 14 آذار ذكرت أنها ستتعامل مع استقالة وزراء المعارضة انطلاقاً من التمسك بالمحكمة الدولية، والإصرار على إبقاء الحريري رئيساً للحكومة، وعدم قطع سبل الحوار والتواصل بين اللبنانيين من دون أن يعني ذلك خضوع أي طرف للابتزاز. وأشارت المصادر إلى أن المعارضة في وضع متأزم وغير قادرة على الذهاب أبعد مما أقدمت عليه، لافتة إلى أن الشارع خيار مجرب وخاسر وأفقه مسدود. واضح جداً من التصريحات التي أطلقها الطرفان بأنه ليس هنالك عودة إلى الحلول الوسط للحفاظ على استقرار وأمن لبنان، فـ"حزب الله" أوضح مطالبه بمنع قرار المحكمة الدولية وإسقاطه... بينما الحريري وحلفاؤه متمسكون بالمحكمة. الأزمة اللبنانية وصلت إلى مرحلة شديدة التعقيد تحول دون الوصول إلى حلول مقبولة... فـ"حزب الله" تمكن من تعزيز قوته وسيطرته داخل لبنان، ولا تستطيع أي سلطة داخل لبنان إيقافه أو ردعه أو تقليص قوته. والسؤال هنا: ما هي الخيارات المفتوحة أمام لبنان وحكومته بعد استقالة الحكومة؟ الحريري لا يمكنه عمل أي شيء تجاه المحكمة الدولية وأحكامها المنتظرة، وهو لا يملك أي أوراق بيده سوى التمسك بالقانون، ولا يوجد أحد حتى الآن قادراً على تشكيل الحكومة الجديدة؛ فالسنة في لبنان وأنصار الحريري متمسكون به لأنهم يعرفون بأنه الشخص الوحيد القادر على تشكيل حكومة تعددية في لبنان تحظى بقبول الجميع، ما عدا "حزب الله" وأنصاره. إصرار "حزب الله" على رفض المحكمة الدولية لم يأت من فرغ، فالحزب لديه قوة مسلحة وقاعدة شعبية من الأنصار، ولديه حماية من سوريا وإيران، لذلك ليس لديه الاستعداد لتحمل خسارة شعبيته وامتيازاته ووجوده في الشارع اللبناني، لذلك لا غرابة من تمسكه بخيار المقاومة ومحاربة إسرائيل والولايات المتحدة، لأنه يعي بأن الشارع العربي المحبط من السياسة الأميركية والغطرسة الإسرائيلية، يدعمان كل خيار يناهضهما أملاً في تحقيق انتصار ما. أما الحريري الذي يحظى بتأييد ودعم سنة لبنان وبعض الأحزاب اللبنانية المتحالفة معه، فلا يملك أوراقاً قوية، فالائتلاف الذي كان يدعمه سابقاً بدأ ينقسم على نفسه ويأخذ في الانكماش. كيف يمكن أن تتصرف دول الخليج تجاه لبنان؟ حتى هذه اللحظة يبدو أن المحاولة السعودية مع سوريا لحل النزاع اللبناني قد فشلت، وكل دول الاعتدال العربي، والخليج منها بصفة خاصة، اتخذت موقفاً يدعو إلى وقف التحريض ومحاولة إيجاد حل ومعالجة للوضع الحالي في إطار المؤسسات الدستورية اللبنانية.