في السابع من يناير الجاري أعربت تشيلي عن اعترافها بالدولة الفلسطينية باعتبارها دولة حرة مستقلة ذات سيادة. وجاءت هذه الخطوة التشيلية بعد فترة قصيرة من اعتراف كل من البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور بدولة فلسطين. وفي كل واحدة من هذه الدول، تم الاعتراف بالدولة الجديدة في حدود ما قبل حرب 1967 التي تشمل جميع أراضي قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس الشرقية. وباعتراف تشيلي يكون عدد الدول المؤيدة لقيام الدولة الفلسطينية قد وصل إلى 109 دول من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، مع العلم أن إعلان قيام دولة فلسطين قد صدر منذ 15 نوفمبر 1988. ورغم أن فلسطين لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، فإن لها كافة مقومات ومعايير القانون الدولي التي تحكم الدول ذات السيادة، لكن لا يحظى أي جزء من أراضيها باعتراف أي دولة أخرى -عدا إسرائيل- باعتبارها أراضي دولة أجنبية ذات سيادة. وعلى عكس الفلسطينيين تماماً، تمكن الإسرائيليون من وضع اليد على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تمديد سيطرتهم إلى أراضي القدس الشرقية، ليفرضوا بذلك نفوذهم على الأراضي المحتلة جميعها بلا منازع. وفي هذا السياق، فإنه من المفيد أن ننظر إلى عدد ومواقف الدول التي أعلنت اعترافها الدبلوماسي بدولة فلسطين. فمن بين الدول الأعضاء التسع في الأمم المتحدة، الأعلى كثافة سكانية، اعترفت منها ثماني دول -باستثناء الولايات المتحدة الأميركية- بدولة فلسطين. ومن بين الـ20 دولة الأعلى كثافة سكانية، اعترفت 15 منها بدولة فلسطين، باستثناء خمس دول هي: أميركا واليابان والمكسيك وألمانيا وتايلند. كما اعترفت 8 دول من دول الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين. وعلى نقيض ذلك تماماً، لا تشمل قائمة الدول الـ73 الأعضاء في الأمم التي أعلنت اعترافها الدبلوماسي بجمهورية كوسوفو باعتبارها دولة مستقلة عن يوغوسلافيا السابقة، سوى دولة واحدة فحسب -هي أميركا- بين الدول الأعلى كثافة سكانية. ومن بين الدول الـ20 الأعلى كثافة سكانية، لم تؤيد استقلال جمهورية كوسوفو سوى أربع منها هي: أميركا واليابان وألمانيا وتركيا. وفي شهر يوليو من العام المنصرم أعلنت محكمة العدل الدولية أن الإعلان الأحادي الجانب من كوسوفو باستقلالها ليس فيه انتهاك للقانون الدولي، بسبب صمت القانون الدولي عن شرعية الإعلان عن استقلال الدول. وهذا يعني أن إعلان الاستقلال لا ينتهك القانون الدولي، وأن جميع الإعلانات المشابهة قانونية، وأنه يجوز للدول ذات السيادة أن تتخذ من القرارات السياسية ما تشاء فيما يتعلق باعترافها بالاستقلال المعلن عنه من قبل إحدى الدول. وكانت الولايات المتحدة قد وجهت نداءً إلى جميع الدول التي لم تؤيد استقلال كوسوفو بأن تسرع بإعلان تأييدها. وبعد مضي ستة شهور على ذلك النداء الأميركي لم تستجب سوى أربع دول فحسب لذلك النداء: هندوراس، وكيرباتي، وتافولو، وقطر. وفيما لو وجهت الجامعة العربية نداءً إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لم تعلن اعترافها بدولة فلسطين بأن تسارع إلى ذلك، فمن المؤكد أن الاستجابة لندائها ستكون أكبر بكثير من استجابة الدول للنداء الذي وجهته أميركا فيما يتصل بالاعتراف بجمهورية كوسوفو. وعلى الجامعة أن تصدر نداءً كهذا تدعو فيه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للاعتراف باستقلال فلسطين. وفي سياق المقارنة نفسها بين إعلان استقلال فلسطين وكوسوفو، يلاحظ أن دولاً تتراوح كثافتها بين نسبتي 80 و90 في المئة من سكان العالم تؤيد استقلال فلسطين، في حين أن الدول التي أعلنت تأييدها لاستقلال كوسوفو تتراوح كثافتها السكانية بين 10 و20 في المئة فحسب من الكثافة السكانية العالمية. ورغم ذلك تعامل الإعلام الغربي -وكذلك قطاع مقدر من الإعلام غير العربي- مع استقلال كوسوفو باعتباره حقيقة منجزة، بينما تعامل الإعلام نفسه مع الإعلان عن استقلال فلسطين على أنه مجرد تطلّع لن يتحقق إلا بموافقة أميركية إسرائيلية عليه. والغريب أن الجزء الغالب من الرأي العالمي -بما فيه على يبدو رأي القيادة الفلسطينية نفسها في رام الله- قد انساق وراء غسيل المخ هذا، باعتقاده أن الاعتراف باستقلال الدولة الفلسطينية وسيادتها لا يتم إلا بمباركة أميركية إسرائيلية! وكما يقول المثل إن القوة تصنع الحق، فقد باتت عملية السلام الإسرائيلي أمام تهديد مباشر مفاجئ لمستقبلها وما يمكن أن تسفر عنه، جراء تبني مجلس النواب الأميركي لقرار بتوافق الآراء -أعدت مشروعه منظمة "إيباك" المؤيدة لإسرائيل- يدعو أوباما إلى عدم الاعتراف بإعلان دولة فلسطين، إضافة إلى ممارسة حق النقض الفيتو ضد جهود فلسطينية تهدف إلى نيل فلسطين لعضوية الأمم المتحدة. هذا وقد بات معلوماً أن الإعلام الغربي قد درج على استخدام مصطلح "المجتمع الدولي" على أميركا وأي من الدول التي تعلن تأييدها لها في أي مسألة دولية كانت، بينما يستخدم الإعلام نفسه مصطلح "الدول المارقة" على أي دولة تعلن مقاومتها للهيمنة الأميركية الإسرائيلية العالمية. بيد أن هذا الخنوع الأميركي للإرادة الإسرائيلية، مثلما هو واضح في غياب صوت واحد شجاع ضد قرار مجلس النواب المذكور الداعي لعدم الاعتراف بدولة فلسطين وغيره من المواقف والقرارات الأخرى، يزيد من عزلة أميركا عن المجتمع الدولي، والذي يمثل في هذه الحالة، غالبية الإرادة الدولية، لتصبح بذلك دولة مارقة لا تكف عن مخالفة القانون الدولي وانتهاك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. وفيما لو نالت دولة فلسطين -بحدودها السابقة لعام 1967 وليس مجرد حدود أراضيها المحتلة- عضوية الأمم المتحدة، فمن شأن ذلك أن يجعل تحقيق السلام ووضع حد للاحتلال بقدر معقول من العدالة اللازمة، مسألة وقت فحسب، وليس مجرد أمر ممكن. وعندما تتقدم فلسطين بطلب لنيل عضوية الأمم المتحدة في وقت لاحق من العام الحالي، فعلى أوباما أن يكون من الجرأة بما يمكنه من إعلان استقلال بلاده عن الإرادة الإسرائيلية، وأن يؤيد انضمام فلسطين إلى عضوية الأمم المتحدة. فذلك هو القرار الذي تعود به أميركا إلى عضوية المجتمع الدولي مجدداً، وتكف عن أن تكون دولة مارقة على القانون الدولي بانحيازها السافر لإسرائيل. ------- جون في. ويتبك محام دولي عمل مستشاراً لفريق المفاوضين الفلسطينيين ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"