يبدو الوضع العربي في أسوأ حالاته. والتطورات في المغرب العربي لا تطمئن كما في المشرق. أحداث تونس مقلقة... فجأة وكأن النار كانت تحت الرماد فاشتعلت. شباب يحرقون أنفسهم في الشوارع احتجاجاً على البطالة والفقر والأوضاع العامة، ومثقفون ومحامون وصحافيون يتظاهرون ويقومون بتحركات مكثفة وصدامات تقع بينهم وبين الشرطة، ليقع على إثرها ضحايا وجرحى. وفي الجزائر احتجاجات على إزالة بيوت الصفيح في مناطق معينة تحت عنوان مواجهة الإرهاب وعمليات التهريب، فتندلع مواجهات وتتطور وتتوسع لتصل إلى ولايات ومواقع مختلفة في محيط العاصمة في أحياء فقيرة، ويسقط عدد من الضحايا والجرحى أيضاً. وفي المغرب مطاردة لعناصر من "القاعدة" كادت تنجح في تفجير مقرات أمنية وتنفذ عمليات خطيرة حسب معلومات الأجهزة المغربية، فيما الحركة الاحتجاجية على الواقع العام في البلاد تظهر ملامحها في مجالات مختلفة. وكأن ثمة حركة شاملة في هذه الدول الشقيقة المجاورة الغنية، والجميلة، ستؤدي إلى اهتزاز في الاستقرار العام. والسودان قُسّم أول تقسيم. بمعنى أن دولة الجنوب، التي رفعت أعلامها بسرعة في إسرائيل- ولا نتهم هنا أهل الجنوب بهذه الحالة لكننا نتحدث عن المصلحة الإسرائيلية في ما يجري ومحاولة استغلاله – لن تكون الدولة الثانية. ربما ستقسّم دولة الشمال إلى دويلات أخرى من دارفور إلى غيرها من المناطق، وسيتعمّق الانقسام بين الدويلات الجديدة. والأميركيون مرتاحون لما قام به البشير، وللمواقف التي أعلنها، ولذلك يغدقون الوعود عليه اليوم تحت العنوان التالي: "قسّم... رسّم... والباقي علينا! سوف نلغي قرار المحكمة الدولية. ثم نحن مستعدون لبحث مسألة الديون. وستكون العلاقات معكم قوية". ونحن هنا ندخل مرحلة جديدة من العلاقات الدولية والإقليمية مع السودان نظراً للتنافس الحاصل بين الدول الكبرى على الحضور هناك. فالسودان أكبر دولة عربية، ومن الدول الغنية جداً، والتي لم تستخرج وبالتالي لم تستثمر خيراتها المتنوعة بعد. كما سندخل مرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية مع السودان، من إسرائيل مع دولة الجنوب والجوار، إلى الدول العربية والإسلامية الأخرى التي تدرك أهمية موقع السودان، وتلك التي تتعامل بهدوء مع التقسيم، أو تلك التي ترى خطراً كبيراً منه سوف يطاولها. ومصر، تعيش أزمة اجتماعية واقتصادية: مشكلة مع الأقباط، الذين ارتفعت أصواتهم بحدة بعد استهدافهم في كنيسة القديسين بالإسكندرية. ثم انتقلت إلى الصعيد، تجرؤوا وقالوا كلاماً كبيراً نقدياً للنظام وعبّروا عن "شخصيتهم" "وخصوصيتهم"، وأبدوا عدم ثقة بالأوضاع المحيطة بهم. كذلك هناك أزمة الرغيف والبطالة والفقر، وجاءت أزمة المياه وهي الخطر الأكبر، لتسبق التقسيم الرسمي للسودان لكنها مترابطة معه واقعياً. من هنا تبدو مصر اليوم مستهدفة بمياهها وأمنها ووحدتها ولقمة عيشها في ظل ازدياد سكاني خطير... وهذا بالتأكيد أثّر على دورها وهيبتها وحضورها في محيطها كما في المنتديات الأوسع والأبعد من هذا المحيط. واليمن يعاني أزمات كثيرة. الوضع الأمني فيه غير مستقر، ومطالبات بالانفصال مكثفة في الجنوب. والوضع الاقتصادي الاجتماعي سيئ. والصراعات القبلية مفتوحة. ومحاولات الإمساك بالوضع تنطلق من تعديل دستوري يهدف إلى انتخاب الرئيس مدى الحياة، اليمن مستهدف أيضاً بوحدته وأمنه واستقراره وإمكاناته وموقعه. ويمتد الاضطراب من اليمن إلى العراق غير المستقّر، النازف، المنهوب منذ بداية الاحتلال، إلى العمليات الإرهابية، وتهجير المسيحيين إلى تنامي المشاعر والصراعات والصدامات المذهبية والطائفية. إنه جرح جديد في هذا الجسد، وصولاً إلى سوريا المستهدفة باستقرارها ووحدتها بعد الذي جرى في العراق، وكذلك لبنان الغارق في مشاكله من الخطر الإسرائيلي، وذلك من الجنوب إلى شبكات التجسس والعملاء، إلى الانقسام السياسي الحاد والمشاعر المذهبية الخطيرة، والأحقاد المسيطرة، وترهل الدولة وضعفها، والفلتان والتسيّب في الإدارات والفساد... وكل هذا في كفة والخلاف على المحكمة الدولية في كفة موازية خطيرة، وبالتالي طوق من المخاطر يحيط باللبنانيين. وقد بدا ذلك بوضوح خلال الأيام والساعات الماضية عندما أعلن عن توقف الوساطة السعودية- السورية، بسبب عدم الوصول إلى تفاهم نهائي، وليس الخليج في وضع أفضل، في الأوضاع الداخلية، أو في القلق من إيران والتسلّح غير المحدود تحسباً لكل الاحتمالات، إلى الإرهاب، إلى محاولات إشعال فتن مذهبية والخليج مستهدف بثرواته وأمنه واستقراره. أما إسرائيل، فهي المستفيد الأكبر مما يجري، فهي تتفرّغ في ظل هذا الوضع لتحقيق حلمها التاريخي: تصفية القضية الفلسطينية، ومصادرة الأرض الفلسطينية، وإسقاط إرادة الفلسطينيين، وبناء الدولة اليهودية وعاصمتها القدس، كعاصمة للشعب اليهودي. وهي اليوم تُحققُ خطوات كثيرة في هذا المجال، لأن لا رادع أمامها، وهي تفعل ما تشاء في ظل هذا الوضع العربي السيئ والوضع الدولي المساند. وإسرائيل ستخاطب العالم بالقول: تفضلوا. هذا هو الواقع أمامكم هذه هي التجربة. الإرهاب الإسلامي يضرب أينما كان. يضرب المسلمين ويضرب المسيحيين فكيف يمكن الوصول إلى تسوية معه؟ ألا يحق لنا أن نحاربه على أرضنا؟ وإذا كان المسلم يقتل مسلماً فهل سيبقينا نحن؟ وإذا كان المسلم يقتل مسيحياً ويمارس"سياسة التطهير العرقي"، كما قال ساركوزي علناً عن الوضع في المنطقة. فهل سيبقينا نحن؟ وتضيف إسرائيل: إذا كانوا غير قادرين على التعايش مع بعضهم وهم يذهبون إلى الانفصال هنا، وهناك فكيف يمكنهم التعايش معنا؟ والرسالة واضحة: نموذج التعايش والوحدة الوطنية في العالم العربي سقط هنا ومهدد بالسقوط هناك. وهذا هو الهدف والمشروع الإسرائيلي. وإذا كان البعض يتحدث عن الجهات الخارجية التي تفتعل الأحداث فهذا ليس مستغرباً. لكن يجب أن يسأل كل واحد منا لماذا وصلنا إلى هنا؟ كيف دخل الأجانب إلينا؟ مَن فتح الأبواب لهم؟ مَن تعاون معهم؟ مَن راهن عليهم؟ مَن استقوى بهم؟ إن علينا مسؤوليات كبيرة وكثيرة ينبغي الاعتراف بها. والآن بإمكاننا وبما تبقى لدينا في مواقع كثيرة أن نتخذ القرارات التي توفر الحد الأدنى من التماسك، وننطلق من الإقرار بالوقائع، بدون مكابرات ومغالاة وادعاءات وعناد واستكبار على الناس. فلا يجوز أمام كل هذه التحديات أن نرى العرب منقسمين على كل شيء والتحدي الأكبر الذي يواجههم: أين ستعقد القمة العربية المقررة؟ في بغداد، ولا إمكانية لعقدها هناك. نحن غارقون في التفاصيل والمصير على كف "اضطرابات" كثيرة.