خلال الأسبوع الماضي، شهدت بعض الدول العربية مظاهر للاحتجاج لم تكن متوقعة حُرقت فيها المؤسسات وكثرت الاعتقالات، ورفعت شعارات لم نعهدها في دول اعتقد البعض أن التحالفات الدولية والمعونات الخارجية تمثل سداً لا يمكن اختراقه وحاجزاً لن يكسر. لقد تربت بعض الشعوب العربية طويلًا على الصمت، وكان المتصور في أذهان من ربى وعلم أن الصمت يعني الرضى، وأن السكوت والثناء يدفع البلاء، وأن التقارير الإعلامية حول التنمية، كل ذلك يجعل صفوف العاطلين تسبح بحمد المالكين، فكيف يتجرأ الشباب العاطل على تشويه صورة النظام؟ كيف يتصور هؤلاء الذين تم استغلالهم من عناصر تخريب خارجية، كما يُقال، أن بإمكانهم مسح كافة التقارير الرسمية التي كانت تؤكد للعالم الخارجي أنهم أفضل نظام ديمقراطي في العالم العربي؟ ما هو جزاء اليد التي لا ترفع راية الثناء على رغم شح العطاء إلا أن تُقطع؟ هكذا يفكر بعض العرب للأسف الشديد. ومن يتابع تلك المشاهد والتصريحات يتصور أن بعض العرب يعيشون في كوكب لا يسكنه غيرهم، ونسي هؤلاء أن العالم أصبح قرية صغيرة لا يمكن أن تخفى فيه خافية. لقد تعلم الشباب العاطل في بعض بلدان العالم العربي من دول الجوار الأوروبية الديمقراطية أن المسيرات السلمية في الشوارع وسيلة للتعبير عن الرأي، وقد شاهد الناس الإيطاليين يمشون في الشوارع، كما أن الفرنسيين من فترة قريبة فعلوا أسوأ من ذلك لكن العالم وبالرغم من استنكاره لإتلاف الممتلكات العامة، لم يسمع عن مجازر تجرى للشعوب لأن منها من رفع صوتاً يطالب فيه بمستقبل أفضل مما هو عليه. فكيف يفسر العرب لجيرانهم الغربيين الداعمين لهم و الممولين ما جرى في بعض الأقطار العربية والمشهد الدامي مازال مستمراً؟ مما سبق ينطوي على دروس لا بد أن نتعلمها ونعممها، كي لا تتسع الأحداث، لأن الكثير من الدول العربية في تصوري تنحو نفس المنحى. الدرس الأول أن الصمت لا يقتضي الرضى، فعلى من يحكم أن يتعلم الانصات لأنات الشعوب لأنها نذير شؤم في المستقبل. الدرس الثاني أن التقارير الرسمية التي ترفع لبعض الحكومات لابد أن يعاد النظر فيها كي نتبين الحقائق من الأوهام، ولذلك دور أساسي في حفظ النظام والأمن في الدول. الدرس الثالث يقول إن رصيد الحكم الرشيد، لا يكمن في الدعم الخارجي، فقد تبين لنا من التاريخ سقوط زعامات بعد أن استنفدت المطلوب منها، لقد آن للأنظمة في بعض الدول العربية أن تعرف أن قوتها في شعبها ليس إلا. الدرس التالي يقول إن العربي أصبح أكثر وعياً وحرصاً على مستقبله من الماضي، فهو يقارن نفسه بالآخرين وربما بأفضل الموجود في العالم، ويتمنى أن تكون حكومته كذلك. وأخيراً البطالة لا تقود للإرهاب الديني كما يتصور البعض، ولكن إلى ما هو أسوأ بكثير من ذلك.