المتابع لتطورات الأحداث، يلاحظ أن أمن المنطقة العربية وثروتها أصبحا محل اهتمام عالمي متزايد، وأن العالم العربي بات أمام تحديات استثنائية وغير مسبوقة، خاصة بعد أن بدأت القوى الأجنبية تحويل مشاريعها إزاء المنطقة من الورق إلى أرض الواقع، وبات لأجنداتها وجود ملموس في كل زاوية تقريباً، بل أصبحت تبتكر الجديد من المبررات والذرائع لتدخلاتها، سواء بحجة أسلحة الدمار الشامل، كما في حالة العراق، أم بحجة الدفاع عن الأقليات الطائفية كما في حالات عربية أخرى أبرزها السودان حالياً. إن تقسيم السودان، وهو أكبر الدول العربية والإفريقية، إذ تعادل مساحته مساحة كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وبولندا وإسبانيا واليونان مجتمعة، ينبغي أن يثير الخشية من وجود لعبة كبرى لتفتيت دول عربية أخرى، لاسيما إذا كان فصل الجنوب السوداني مجرد خطوة أولى في مسلسل التقسيم. والخشية هي من أن تصل الانعكاسات المتوقعة إلى دول عربية أخرى تظن أنها في مأمن وأنها بعيدة عن مصائر مماثلة، خصوصاً الدول التي تضم أقليات كبيرة، كما هو الشأن مثلاً بالنسبة للوضع في العراق، والذي يطالب أكراده منذ فترة بالانفصال عن الوطن الأم. كما أن جنوب العراق نفسه، وكذلك جنوب اليمن وجنوب لبنان... مهددة هي أيضاً بمصائر مشابهة ما لم يسارع العرب إلى تدارك الموقف قبل استفحاله. والخطورة في هذا التوجه كونه ينطوي على استهداف خارجي يجد أرضيته في سياسات داخلية لا تملك الإجابة على كثير من التحديات. فقد وقع السودان، كما وقع العراق أيضاً، تحت وطأة الضغوط والتبريرات، دون أن يكون للعرب موقف منها. والملاحظ هنا أن إسرائيل كانت في الحالتين المحرض الأول على الدفع بالأجندات الغربية نحو البلدين، خاصة فيما يتعلق بغزو العراق، كما ظلت الداعم الرئيسي لكثير من الحركات الانفصالية في السودان. والخطر على السودان أن يمتد مسلسل الانفصال ليصل إلى دارفور. ونجد هذا التوجه واضحاً في دراسة للعميد الإسرائيلي المتقاعد "موشي قرجس" صادرة بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان: نطقة البداية ومرحلة الانطلاق"، والتي قال فيها إن إسرائيل وجدت في تمرد الجنوب فرصة عظيمة لتوسيع سياستها واستراتيجيتها المخصصة للقرن الإفريقي، وأن هذه الاستراتيجية صاغها بن غوريون، ومن هذا المنطلق جاء التحرك الإسرائيلي لدعم كل الحركات الانفصالية. وحسب "تسيفي بارئيل"، محرر الشؤون العربية بصحيفة "هآرتس"، فقد لعبت إسرائيل دوراً مؤثراً في دعم التمردات المسلحة، وذلك بتزويد الدول والمنظمات الإفريقية بالسلاح حتى تقاتل به بعضها البعض. وقد أوضح ذلك "جوزيف لاقو"، القائد العسكري لأول حركة تمرد في جنوب السودان، عندما قال إن حركة الجنوب حصلت على السلاح من إسرائيل وإنه شخصياً بعث برسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد حرب عام 1967، أي بعد النكسة، امتدح فيها النصر الذي حققه الصهاينة ووجه لهم إطراءً وأعرب عن سعادته بهم، وأضاف: نحن أيضاً نحارب العرب ونطلب منكم تزويدنا بالأسلحة. وعلى ضوء هذه الرسالة حصلت الحركة على المال والسلاح والتدريب. وفي 2011/1/10، نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" مقالاً بعنوان "إسرائيل في السودان" جاء فيه أنه ينبغي أن تكون لإسرائيل مصالح كبيرة فيما يجري داخل الدولة الإفريقية الأكبر، والتي يتوقع أن تبدأ مسيرتها التدريجية نحو الانقسام!