انفصال سلمي لجنوب السودان... وضرورات الإصلاح في العالم العربي تفادي عودة الحرب الأهلية السودانية، ومظاهر الفشل السياسي في العالم العربي، ومخاطر حل حكومة الوحدة الوطنية في ساحل العاج، والوقف الدائم والشامل لإطلاق النيران في إسبانيا...قضايا نستعرضها سريعاً ضمن جولة أسبوعية سريعة على الصحافة البريطانية. سودان ما بعد الانفصال في افتتاحية عددها الأخير الصادر يوم الأحد الماضي، الذي وافق انطلاق الاستفتاء الشعبي الذي أجري حول تقرير مصير جنوب السودان، قالت صحيفة "ذي أوبزرفور" إن نتائج التصويت ترجح انفصال الجنوب والإعلان عن ميلاد دولة أفريقية جديدة، بموجب نصوص اتفاقية نيفاشا التي أبرمت بين طرفي النزاع -حكومة الخرطوم والجيش الشعبي لتحرير السودان- في عام 2005. ولكن حذرت الافتتاحية من أن ميلاد دولة جديدة عادة ما يكون محاطاً بالكثير من المخاطر، نظراً لاحتمالات نشوب نزاع جديد أوسع نطاقاً وأشد اشتعالاً. غير أن هناك أملاً لتفادي عودة الحرب الأهلية مجدداً إلى السودان. ومن مؤشرات التفاؤل الحذر بهذا الخصوص إجراء الاستفتاء بسلام حتى الآن، إضافة إلى الاتفاق المبرم بين الطرفين باقتسام الثروة النفطية. ففي حين سيرث الجنوب الجزء الأعظم من النفط الخام المتوفر في أراضيه، تتوفر في الشمال وحده البنية التحتية اللازمة لمعالجة النفط الخام وتصفيته. وعلى رغم بدء الخلافات من الآن بشأن الطريقة التي يتم بها تقسيم هذه الثروة، فإن هناك اتفاقاً مبدئياً على ضرورة الاقتسام. ولكن المشكلة أن عملية الاقتسام هذه يرجح لها أن تتم بين النخب السياسية الحاكمة في الشمال والجنوب، وليس إشاعة ثروة النفط وخيراتها بين عامة السودانيين. ثم هناك النزاع بين الطرفين حول أبيي. فـ"الحركة الشعبية" تريد تبعيتها لجنوب السودان، بينما تريد لها حكومة الخرطوم وضعاً آخر خاصاً بين الجنوب والشمال. ومن أجل تفادي نشوب نزاعات جديدة بين الشمال والجنوب، فإن في وسع المجتمع الدولي تقديم الدعم الاقتصادي والدبلوماسي للدولة الجديدة الناشئة في جنوب السودان، جنباً إلى جنب البناء على ما هو مشترك بينهما من مصالح وعلاقات متبادلة. والمهمة الفورية التي يتعين على المجتمع الدولي التصدي لها، ترسيم الحدود الفاصلة بين الدولتين. أما الهدف البعيد المدى الذي يجب أن يعمل من أجل تحقيقه المجتمع الدولي فيتلخص في تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي بين الدولتين، إلى مدى يقلل كثيراً من أهمية الحدود الفاصلة بينهما. فشل نظم الحكم هذا ما تناوله الكاتب "سايمون تيسدال" في مقال تحليلي له نشرته صحيفة "الجارديان" الصادرة يوم الثلاثاء الماضي. قال الكاتب إن مظاهر فشل النظم السياسية الحاكمة في العالم العربي، تبدو واضحة في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عدة دول عربية مؤخراً، لتشمل العالم العربي كله، إلا حالات استثنائية نادرة جداً، وأن هذه الظاهرة تمتد من اليمن وحتى منطقة شمالي أفريقيا. وكانت مؤسسة "كارنيجي" الوقفية للسلام العالمي قد خصصت مناقشة للوضع السياسي في العالم العربي خلال الشهر الماضي، حدد فيه المشاركون في المناقشة العوامل الرئيسية التي تفسر حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها المنطقة: ارتفاع معدلات البطالة، وبطء النمو الاقتصادي، مقابل سرعة النمو السكاني. وقال المشاركون في المناقشة إن هذه المشاكل تمثل تحدياً رئيسياً للدول العربية الفقيرة نسبياً المصدرة للنفط. وحض المشاركون حكومات دول المنطقة على البحث عن أسواق جديدة لصادراتها، فضلاً عن تحسين الإنتاج الصناعي، ورفع القدرة التنافسية الاقتصادية عبر النظم التعليمية وإصلاح سوق العمل. ومن بين المشاركين، أشارت المحللة مارينا عطوي إلى ضعف إرادة وحماس القادة السياسيين في المنطقة للإصلاح السياسي. بل كثيراً ما يتجاهل القادة السياسيون الدعوات والحملات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح السياسي، مثلما يحدث هذه الأيام في بعض دول شمال أفريقيا. أزمة ساحل العاج على خلفية الاضطرابات السياسية الجارية في ساحل العاج، قالت افتتاحية "ذي إندبندنت" ليوم أمس إن تشكيل حكومة وحدة وطنية لحل الأزمة السياسية الراهنة في ساحل العاج، ربما يبدو الحل الممكن والوحيد للأزمة. فعلى رغم فوز زعيم المعارضة "الحسن واتارا" بالانتخابات الرئاسية عبر تصويت حر نزيه وديمقراطية، رفض الرئيس الحاكم "لوران جباجبو" التنازل عن السلطة، وأدى كلاهما القسم الرئاسي، فظلت الأزمة تراوح مكانها إلى اليوم. ولكن ليس ثمة جديد في مثل هذه الأزمات في أفريقيا. فقد حدث الشيء نفسه عقب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في كينيا عام 2007 وفي زيمبابوي عام 2008. وفي الحالات الثلاث انتهت الانتخابات إلى حالة من العنف والاضطراب السياسي. وبينما فشل الاتحاد الأفريقي في تطبيق سياساته الخاصة، في حال رفض القادة السياسيون التخلي عن السلطة، لم تثمر الجهود التي بذلها المجتمع الدولي في الحالتين الكينية والزيمبابوية إلا عن دعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في كلتا الدولتين، باعتبار أن ذلك يوفر خياراً ممكناً لحل الأزمة. ولكن تكرر فشل حكومات الوحدة الوطنية في كينيا وزيمبابوي، بسبب عدم استعداد الأطراف المتصارعة للتعاون فيما بينها. وبذلك ظلت المشاكل السياسية التي تعانيها الدولتان تراوح مكانها. هذا وقد بلغ عدد القتلى في أحداث العنف، التي أعقبت انتخابات ساحل العاج الأخيرة نحو 200 قتيل، وهناك أنباء عن وجود مقابر جماعية لعدد آخر من القتلى أو المختفين. وهنا أيضاً ربما يضع تشكيل حكومة وحدة وطنية حداً لدوامة العنف هذه، غير أنه سيؤدي إلى نشوء أزمة سياسية بين الأطراف الحاكمة المتصارعة، مثلما حدث من قبل في كينيا وزيمبابوي. والأشد خطراً في ساحل العاج، أن من شأن أزمة كهذه أن تؤدي إلى انفصال الجزء الشمالي من البلاد. وقف دائم لإطلاق النيران قالت مجلة "ذي إيكونومست"في إحدى مقالاتها التحليلية المنشورة في عددها الأخير، إن منظمة "إيتا" التي ظلت تتبنى نهج العنف والمقاومة المسلحة من أجل انفصال إقليم "الباسك" في شمالي إسبانيا، بددت الشائعات في نهاية الأمر بإعلانها عن وقف دائم وشامل لإطلاق النيران، وقابل للتحقق منه من قبل المجتمع الدولي. ولكن تساءل المقال عن سبب تغطية مسؤولي المنظمة الثلاثة الذين ظهروا في شريط الفيديو الأخير للإعلان عن وقف إطلاق النار لوجوههم؟ ألا يعني ذلك احتمال عودة المنظمة لأعمال العنف عقب هذا الإعلان في أي وقت، خاصةً وأنه سبق لها أن كررت السلوك نفسه أكثر من مرة؟ على أية حال، ومع الترحيب بالإعلان الأخير من جانب المنظمة عن وقف إطلاق النيران، فإن الأمل كما يقول المحللون إن يشمل وقف العمليات العدوانية الذي التزمت به المنظمة خلال الشهور الأربعة الماضية، وقفاً لبعض -إن لم يكن لكل- أنشطة العنف الأخرى التي تدعم بها المنظمة أهدافها. وهذا ما أعرب عنه رئيس الوزراء "خوسيه لويس ثباتيرو" بقوله مؤخراً: إن كل ما نطالب به "إيتا" وقف شامل ونهائي للعنف. إعداد: عبد الجبار عبد الله