أعجبني تقليد مجلة "الإيكونوميست" البريطانية العريقة، فهي في بداية كل عام عندما تُخمن ما سيحدث فيه، ترجع بالقارئ إلى ما قالته عن العام الماضي عندما كان لا يزال في بدايته، ثم تستخلص النتائج عن الصح والخطأ. تقليد نبيل من مجلة عالمية فيه دعوة للتواضع وأيضاً محاولة لتصحيح الخطأ. فماذا يخبئ لنا عام 2011؟ سبقني زملاء عديدون هنا وفي وسائل إعلام أخرى لمحاولة الإجابة على هذا السؤال، وأشعر أنه من المفيد في أول لقاء مع قرائي في العام الجديد أن أحاول الإجابة على هذا السؤال المهم، لكن سأتبع منهجية مختلفة، فبدلاً من اختيار حدث سياسي هنا وهناك، قد يصيب وقد يخطئ، سأتكلم عن توجهات أو ميول النظام العالمي والتي أعتقد أنها ستحدد شكل عام 2011، وسأقتصر على ثلاثة محددات. أولها: لا يزال جاثماً في الأخبار وبالتأكيد سيستمر، وأقصد به تسريبات ويكيليكس وما تثيره من تساؤلات حول قدرة فرد أو حفنة من الأفراد على اختراق سلطة أكبر قوة في العالم ثم تأثير هذا الاختراق على مصداقية دبلوماسية القطب الأعظم الذي تصل ميزانيته الدفاعية الى حوالى 51 في المئة من ميزانيات دفاع دول العالم مجتمعة. هناك بالطبع ناحية إثارة وشغف في الموضوع مثل ما يحدث في القصص البوليسية، وكثير منا ينتظر بفارغ الصبر ما ستقوله بقية الوثائق عن منطقتنا وحكوماتنا وكيف يديرون سياساتهم الخارجية وحتى الداخلية. لقد أصبحنا نعرف معلومات أكثر، وبشكل فوري تقريباً، رغم عالم السرية التي تفرضه الحكومات، حتى هذه التي تسمح بنشر بعض وثائقها بعد 25 عاماً كما هو الحال في بريطانيا، أو بعد ثلاثين عاماً كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإنها تسمح بنشر بعض الوثائق فقط وبطريقة انتقائية تخضع للقرار السياسي ودوافعه. لكن ويكيليكس، وكالشاب المراهق الذي لا يأبه بقواعد الوضع القائم بل يحاول أن يثور عليه ويقوِّضه، تأتي بقواعد جديدة واختيارات جديدة لتجعل من التلصص أو القرصنة الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من العلاقات الدولية، حتى وإن كانت بعض الدول لا ترغب البتة في ذلك. ثانياً: زيادة عدد الدول الفاشلة أو حتى المنهارة. وبادئ ذي بدء يجب الاعتراف بأن كل دولة تقابل من وقت لآخر تحديات تعجز عن مواجهتها، خاصة إذا كانت هذه التحديات مفاجئة. وهنا نتذكر فشل الولايات المتحدة في مواجهة إعصار كاترينا، وكأنها باكستان أو تشاد! لكن إذا تكرر قصور قدرة الدولة في مواجهة التحديات، وخاصة التحديات اليومية، يصبح هذا القصور لازمة من اسم هذه الدولة. الصومال أحد أعضاء الجامعة العربية، هو أبرز مثال حالياً على الدولة الفاشلة، بل يتبوأ صدارة قائمة الدول الفاشلة منذ عدة أعوام، وقد نافسته دولتان عربيتان على الأقل في هذه المكانة، هما العراق واليمن، إذ بدتا دولتين عاجزتين حتى عن حماية مواطنيهما بسبب "الحرب الأهلية". علاوة على وجود دول عربية أخرى تقترب من دخول هذه القائمة إذا لم تجد حلاً لبعض مشكلاتها المزمنة، مثل البطالة المتزايدة بين شبابها من خريجي الجامعات كما هو الوضع في تونس حالياً، أو مواجهة الفقر المتزايد الذي تقع تحت طائلته أعداد متكاثرة من السكان كما يحدث في الجزائر... هذه أمثلة فقط لأن معظم الدول العربية غير البترولية تعاني من مثل هذه الآفات بدرجات متفاوتة، بل إن بعضها يقاسي إلى جانب ذلك من التوترات الطائفية التي تزحف كالسرطان وتهدد المجتمعات العربية، كما هو الحال في لبنان، بل وأيضاً في بلد مركزي السلطة كمصر. وبالطبع فإن أكبر دولة عربية من حيث المساحة، وهي السودان، فشلت في المحافظة على كيانها مع بداية سنة 2011، حيث يتوقع انفصال الجنوب كبداية لمشاكل وتمزقات أكبر. ثالثاً: ما يحدث حالياً في شوارع الجزائر وتونس يُشير إلى محور آخر لعام 2011، وهو قوة احتجاجات الشارع العربي، خاصة تحت وطأة آلام الحياة اليومية، وأهمها زيادة عدد الفقراء، فطبقاً لإحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن عدد العرب الذين يعيشون تحت خط الفقر (أي بما لا يزيد عن 2 دولار يومياً) يبلغ 140 مليون نسمة، نصفهم يعيشون في فقر مدقع أي بأقل من 1.25 دولار يومياً. وما يجعل الفقر يتحول إلى جوع في عام 2011 هو الازدياد المتوقع في أسعار الغذاء العالمية، خاصة مع بعض موجات الجفاف وغيرها من الكوارث التي تؤدي أيضاً إلى ندرة الموارد الغذائية. ونتذكر منذ شهور قليلة أنه عندما اندلعت الحرائق في روسيا، اضطرت موسكو لإلغاء تعهداتها بتصدير القمح مما أصاب بعض الدول العربية -ومن ضمنها مصر- بأزمة في إنتاج الخبز، الطعام الأساسي للفقراء، حتى أن بعض الجرائد المصرية تكلمت ليس فقط عن طوابير الخبز بل شهداء الخبز أيضاً. وهكذا فإذا تواصل الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، فقد تشهد بعض الدول العربية "ثورة الجياع". أعتذر لقرائي مخلصاً عن إبلاغهم بهذه التوقعات التي قد تحدث في عام 2011، وقد قمت مع آخرين بمسح محدود لمعرفة الأخبار السارة في العام الجديد، لكن القليلين الذين أجابوني لم يشفوا لي الغليل في الحصول على أخبار سياسية سارة، ولعلنا نكون كلنا مخطئين في هذا الصدد!