ثقافتنا تقوم على الثلاثي: حرام، ممنوع، مستحيل. ويردد ذلك العراقيون بالعامية فيقولون: ما في... ممنوع... ما يصير. ويمنع على المواطن العربي البحث في ثلاثة: السياسة والجنس والدين. ومجتمعاتنا مشدودة بين ثلاثة أقطاب: مواطن أعمى، ومثقف أخرس، وقائد أطرش. وكما جاء في الإنجيل: "أعمى يقود أعمى الاثنان يقعان في الحفرة". وأكثر من يناله النصيب مترعاً من هذه التضييقات هو المرأة، فهناك من اعتبر صوتها عورة، ومن رأى أنها لا تخرج إلا من ثلاث إلى ثلاث: من رحم أمها إلى الدنيا، ومن بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن الدنيا إلى القبر. وهناك من يخلط بين الحجاب ولباس المرأة، فالحجاب خصوصية لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب"، وهو فصل كامل في اللباس والرؤية والخطاب، وهو غير اللباس المنصوص عليه لنساء المسلمين، أي الخمار الذي يُضربُ به على الجيوب. وعموماً فإن فلسفة اللباس تقوم على ثلاثة مقاصد: ستر العورة، والجمال، والبعد الأخلاقي الثقافي: "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير". وكل ذلك يعني أن اللباس يدخل في العادات وليس العقائد، ومثله إطلاق اللحية الذي هو أمر مرتبط بالنموذج الاجتماعي والموضة الدارجة، والإسلام في بحثه عن تحرير الإنسان لا يتوقف عند الشعر، فالشعر بذاته ليس مكرمة! ومن خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم عدم الزواج من زوجاته من بعده، فهن أمهات المؤمنين: "وما كان لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً". وهذه الأمور شرحها صاحب كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة"، عبدالحليم أبو شقة رحمه الله تعالى، وهو كتاب تعب عليه صاحبه ربع قرن من الزمن واستخرجه من الصحاح التسعة، وكان يقول: كل ما أريده أن أضع النصوص بين يدي المسلمين وأتركهم يحكمون. وقد وصل إلى أربعين حديثاً شريفاً ليقرر أن الأصل كان كشف الوجه في جو الصحابة الأول، وقد استشهد بها الفقيه البليهي ليقول إن الأصل هو تغطية الوجه، وهذا يعني أن الجدل في النصوص قد لا يقود إلى نتيجة، ومن ذلك نتذكر مؤتمرين أُقيما قبيل حرب الخليج عام 1991، في بغداد ومكة المكرمة، وقد استشهد كل منهما بالنصوص على صحة موقفه، ولم يحلا المشكلة، بل إن من حلها وطرد صدام كان أميركا. وقبل فترة قامت ضجة حول مسلمة أميركية أعلنت جواز إمامة المرأة في الصلاة، فهرع الفقهاء لاكتشاف النصوص في الكتب القديمة وماذا قال الأئمة في هذه القضية وما شابهها. ويبدو أننا دوماً أمام عملية تخدير لممارسة جراحة الفكر، وإن كان بعض جماعة الحداثة يمارسون الجراحة على التراث مثل من يقطع الأنف بالمقص دون تخدير. والمسألة لا تقف عند الإمامة في الصلاة، بل الإمامة في الحكم والسياسة، والرسم والغناء والفنون واللباس والمشاركة والسفر. ويدور الصراع أيضاً حول جسد الأنثى، ومن بالغ في الستر كان كمن بالغ في التبرج، فالتبرج والتستر وجهان لعملة واحدة، والاستبداد الديني جد الاستبداد السياسي، وساسة العالم العربي اليوم يشبهون شيوخ الطرق الصوفية، وانتخاباته مثل توزيع الحرز والأيقونات في حلقات الدراويش.