أحد العيوب الرئيسية في تعامل البلدان العربية مع الاضطرابات أو الأزمات الداخلية المفاجئة هو تسكينها أو ترحيلها، أو كما يطلق عليه "امتصاص الضربات" وعدم التعامل معها بجدية، حيث لا توجد فلسفة تحكم طريقة إدارة الأزمة وإنهائها سوى تخديرها أو تأجيل حلها. صارت بعض البلدان العربية نعيش المشكلات يوماً بيوم، فالمهم إنهاء اليوم بدون مشكلة أو الانتظار لرؤية ماذا سيحدث غداً. لا قيمة لكل الدورات والسيناريوهات والتدريبات التي عُملت، ولا للنقاشات وورش العمل التي تمت. وقد أثبتت أكثر من تجربة أن البلدان العربية، رغم اهتمامها بعلم إدارة الأزمات، لا تحتمل حتى مواجهة المشكلات الداخلية المحدودة التي يقوم فيها بعض أفراد المجتمع بالتعبير عن غضب معين. وغالباً ما تكون النتيجة عودة المشكلة مرة ثانية وربما أكثر قوة مما حدث في المرة الأولى، بل إن طريقة إدارة الاضطرابات أحياناً ما تكون سبباً في افتعال أزمات أخرى في الدول المجاورة. وتحفل الدول العربية بحالات صريحة من العجز عن إيجاد حلول جذرية لمشكلاتها الداخلية، وقد أثر هذا العجز على صورتها من حيث قدرتها على حسم الاضطرابات بطرق غير القوة الأمنية، أو تقديم "كبش فداء"، على شاكلة إقالة وزير أو مسؤول، لأنه لم يستطع السيطرة على الوضع، أو أنه لم يقنع وسائل الإعلام بعدم التغطية أو بتبرير ما حدث، وكأن المشكلة في الوزير أو المسؤول، رغم أن بعض هذه المشكلات لها تاريخ طويل، وأن أسباب الاضطرابات تحتاج إلى حلول واقعية ومن نوعية أخرى. وتبقى السلطة ناجحة في نظر الناس مادامت قادرة على الاحتفاظ بالهدوء، ومجرد التعبير بأي طريقة تكون نتيجته إما القوة أو الإقالة. لدينا حالياً حالات عربية عدة تكشف عن عجز الحكومات العربية وعدم قدرتها على مواجهة الاضطرابات الداخلية، بل تحول الأمر إلى ما يشبه "لعبة الدومينو"؛ بمجرد سقوط الحجر الأول تتداعى بقية الأحجار الواحد تلو الآخر. عندما بدأت المجتمعات العربية حالة من الاضطرابات الجماعية كان أولها تونس التي تشهد اضطرابات منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، حيث لم يكن هناك حل سوى إقالة وزير الإعلام، لأنه لم يستطع إقناع وسائل الإعلام بأن ما يجري لا يعكر هدوء تونس "الشهير". الأمر نفسه تحول إلى الجزائر التي شهدت صدامات بين قوات الدرك والجماهير؛ ما أدى بالحكومة إلى اتخاذ بعض الإجراءات لتهدئة المواطنين في محاولة للملمة نفسها وترتيب بيتها الداخلي حفاظاً على الصورة التي حققتها مؤخراً، على الأقل فيما يخص الإرهاب. ويتوسع الأمر ليشمل دولاً عربية أخرى. مثل هذه الأزمات لم تبدأ الآن، بل تمتد إلى سنوات مضت، لكن تأجلت لحظة الانفجار. ومن هنا تأتي أهمية مراكز إدارة الأزمات وتوقعاتها المستقبلية. والحالة الثالثة والأهم هي التي حدثت في مصر ولا تزال مستمرة، حيث الحراك الطائفي منذ أكثر من عقد. المشكلة في هذه الحالات ليست في مواجهة الاضطرابات وإخمادها، وإنما في إدارة الأزمات الداخلية والتعاطي معها بالشكل الذي ينهيها، وليس العمل على امتصاصها فقط، لأنها ستعود سريعاً، وفي هذه المرة ستكون أصعب من المرّات السابقة. وبصفة عامة تكشف آليات "إدارة الأزمات" الحالية عن ملامح أساسية تؤكد أننا في العالم العربي بحاجة للنظر إلى مشكلاتنا بصورة أوسع من العلاجات المؤقتة التي أكدت ضعف دورها في حسم الاضطرابات والمشكلات الداخلية.