ماهو الدرس الذي يمكن أن نتعلمه من الفنان المصري "حسن حسني"؟! إنه يقدم لنا درساً في قيمة التخصص، ومعرفة الدور الذي يقوم به الإنسان. يتبرع الناس عادةً بخصلة لا أحبها، فهم يتبرعون بإسداء النصائح في ما يستحق وما لا يستحق. إنهم يريدوننا أن نمتثل لنصائحهم، لنكون مثلهم متشاكلين أو متشابهين، مع أن قيمة التكامل في الاختلاف بين الناس. في كل تخصص هناك من يعمل في الصف الأول، والثاني... والثالث. لو نصح الحداد النجار أن يكون حداداً لاهتزت السلع، ولاختل المجتمع. ولو أن كل من في الصحيفة صاروا كتاباً لما طُبعت الجريدة. قيمة كل منتج ومهنة لا تقوم بالصف الأول. حسن حسني يعلمنا هذه القيمة. كتب الزميل مأمون فندي عن حسني قائلاً: "على رأي المعلق الرياضي المصري محمد لطيف، حسن حسني ممثل مصري لا يكتمل أي فيلم مصري أو مسلسل تلفزيوني إلا بوجوده، ممثل منتشر في كل مكان، ولكن لا تتذكره بعد الفيلم أو المسلسل إلاّ إذا ظهر في فيلم آخر أو مسلسل آخر". وأختلف مع فندي، فأدوار حسني التي لا تحمل البطولة المطلقة، لا يمكن أن تقوم بطولة بدونها، إنه يمثل دوراً في الصف الثاني ولم يقترب من البطولة لأن هذه مهمته. المجتمعات التي لا تُقدر أدوار الصف الثاني بل والعاشر، لديها مشكلة حقيقية. لنمنح أصحاب أدوار البطولة وهجهم، لكن الناس لا يمكنهم أن يكونوا أبطالاً كلهم! تخيلوا مصحةً تعج بالاستشاريين الفطاحلة من دون ممرضين! طموح مشروع للجميع أن يكون من رواد الصف الأول، لكن من المستحيل أن يكون الصحافيون كلهم رؤساء تحرير، أو الدولة كلها مدراء، أو أن تكون المدينة كلها وزراء! لقد شهدتُ شيئاً من المشكلة في بعض كليات الإعلام، فلمعة التلفاز تجعل معظم الطلبة يريدون أن يكونوا مذيعي تلفاز، فمن سيعمل خلف الكاميرا، ومن سيعمر المذياع أو الصحافة الورقية، أو في الإعلام الجديد؟! الطموح مستحب إنْ كان واقعياً، لكن على كل أحد أن يعرف خصائصه ومميزاته، وأن يقتنع بها، ليعززها، بدلاً من أن يكون كالغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، فما استطاع، ونسي مشيته الأصلية! هل هي محنة الصف الأول التي تسيطر على مجتمعاتنا؟! في عالمنا العربي العظيم، كلٌ لديه مشروع للإصلاح وحل مشكلات الدنيا، لكن قلة من الناس عرفوا تخصصاتهم فأتقنوها. إنها شهوة السلطة التي امتاز بها الشرقيون ربما عن غيرهم من الفرنجة. في دول العالم المتحضرة يتحول الرئيس تلقائياً مع دورة الديمقراطية من الصف الأول إلى الصف الثاني وربما الرابع، بكل أريحية واستعداد واستمتاع؛ إلى مواطن عادي، لا يخافه أحد ولا يرهبه أحد. لم ندرك قيمة الصف الثاني الذي أقام دولاً ونجاحات كثيرة. وما المستشار والمساعد إلا أبطال الصف الثاني الضروري، الذي لا يستغني عنه الصف الأول مهما بلغت قدراته. شكراً حسن حسني على هذه القيمة التي أضفتها وما أروعها من قيمة... إنها ميزة نجاحات "الصف الثاني"!